ثم يتطرق القرآن الكريم مباشرة إلى نعمة الأنهار ، لما بين الجبال والأنهار من علاقة وثيقة حيث تعتبر الجبال المخازن الأصلية للمياه ، فيقول : (وَأَنْهَارًا).
ثم يقطع القرآن الكريم الوهم الحاصل عند البعض من أنّ الجبال حاجز بين إرتباط الأراضي فيما بينها بالإضافة لكونها مانعاً رهيباً أمام حركة النقل ، فيقول : (وَسُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ).
ثم يضيف قائلاً : (وَعَلمتٍ). لأنّ الطرق لوحدها لا يمكنها أن توصل الإنسان لمقصده دون وجود علامات فارقة ومميزات شاخصة يستهدي بها الإنسان لسلك ما يوصله لمأربه ، ولذا ذكر هذه النعمة.
ومن تلك العلامات : شكل الجبال ، الأودية ، الممرات ، الإرتفاع والإنخفاض ، لون الأرض والجبال وحتى طبيعة حركة الهواء.
وأمّا في حال عدم تشخيص هذه العلامات بسبب ظلمة الليل في أيّ من سفر البر أو البحر ، فقد جعل الله تعالى علامات في السماء تعوّض عن علامات الأرض.
وقد فسّرت «النجم» برسول الله صلىاللهعليهوآله و «العلامات» بالأئمة عليهمالسلام في روايات كثيرة وردت عن أهل البيت عليهمالسلام وفي بعضها فسّر «النجم» و «العلامات» كلاهما بالأئمة عليهمالسلام وكل ذلك يشير إلى التفسير المعنوي لهذه الآيات.
في الكافي عن الإمام الصادق عليهالسلام أنّه قال : (النجم رسول الله صلىاللهعليهوآله ، والعلامات الأئمة عليهمالسلام).
وبعد أن بيّن القرآن كل هذه النعم الجليلة والألطاف الإلهية الخفية ، راح يدعو الوجدان الإنساني للحكم في ذلك (أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لَّايَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ).
وكما اعتدنا عليه من القرآن في اسلوبه التربوي الهادف المؤثر ، فقد طرح مسألة المحاججة بصيغة سؤال يترك الجواب عنه في عهدة الوجدان الحي للإنسان.
وفي نهاية المطاف ، يفنّد الباري سبحانه مسألة حصر النعم الإلهية بما ذكر ، بقوله : (وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لَاتُحْصُوهَا).
ونواجه في هذا المقام سؤالاً وإستفساراً : كيف إذن نؤدّي حق الشكر لله؟ و.. ألسنا مع ما نحن فيه ، في زمرة الجاحدين؟