مريم في عاصفة : وأخيراً حملت مريم ، واستقرّ ذلك الولد الموعود في رحمها : (فَحَمَلَتْهُ).
إنّ هذا الأمر قد تسبب في أن تبتعد عن بيت المقدس (فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا).
لقد كانت تعيش في حالة بين الخوف والأمل ، حالة من القلق والإضطراب المشوب بالسرور ، فهي تفكّر أحياناً بأنّ هذا الحمل سيفتضح أمره في النهاية.
فمن الذي سيقتنع بأنّ إمرأة لا زوج لها تحمل دون أن تكون قد تلوّثت بالرذيلة؟ فماذا سأفعل تجاه هذا الإتهام؟
إلّا أنّها من جهة اخرى كانت تحسّ أنّ هذا المولود ، نبي الله الموعود ، تحفة سماوية نفيسة ، فإنّ الله الذي بشّرني بمثل هذا الغلام ، وخلقه بهذه الصورة الإعجازية كيف سيذرني وحيدة؟
ومهما كان فقد انتهت مدّة الحمل.
ومع أنّ النساء يلجأن عادة في مثل هذه الحالة إلى المعارف والأصدقاء ليساعدوهنّ على الولادة ، إلّاأنّ وضع مريم لمّا كان استثنائياً ، ولم تكن تريد أن يرى أحد وضع حملها مطلقاً ، فإنّها اتّخذت طريق الصحراء بمجرّد أن بدأ ألم الولادة ؛ ويقول القرآن في ذلك : (فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ).
إنّ التعبير بجذع النخلة ، وبملاحظة أنّ الجذع يعني بدن الشجرة ، يوحي بأنّه لم يبق من تلك الشجرة إلّاجذعها وبدنها ، أي إنّ الشجرة كانت يابسة.
في هذا الحال غمر كل وجود مريم الطاهر سيل من الغم والحزن ، لقد كان هذا الإضطراب والصراع صعباً جدّاً ، وقد أثقل كاهلها إلى الحد الذي تكلّمت فيه بلا إرادة و (قَالَتْ يَا لَيْتَنِى مِتُّ قَبْلَ هذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا).
إنّ من البديهي أنّ الخوف من التهم في المستقبل لم يكن الشيء الوحيد ، وإن كان هذا الموضوع يشغل فكر مريم أكثر من أيّة مسألة اخرى ، إلّاأنّ مشاكل ومصائب اخرى كوضع الحمل لوحدها بدون قابلة وصديق ومعين في الصحاري الخالية ، وعدم وجود مكان للإستراحة ، وعدم وجود الماء للشرب ، والطعام للأكل ، وعدم وجود وسيلة لحفظ المولود الجديد ، وغير هذه الامور كانت تهزّها من الأعماق بشدة.
إلّا أنّ هذه الحالة لم تدم طويلاً ، فقد سطعت ومضة الأمل التي كانت موجودة دائماً في