«إدريس» النبي ، فقالت الآية أوّلاً : (وَاذْكُرْ فِى الْكِتبِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدّيقًا نَّبِيًّا).
«الصديق» : هو الشخص الصادق جدّاً ، والمصدق بآيات الله سبحانه ، والمذعن للحق والحقيقة.
ثم تشير الآية إلى مقامه العالي وتقول : (وَرَفَعْنهُ مَكَانًا عَلِيًّا). والمراد هو عظمة المقامات المعنوية والدرجات الروحية لهذا النبي الكبير.
ثم تبيّن الآية التالية بصورة جماعية عن كل الإمتيازات والخصائص التي مرّت في الآيات السابقة حول الأنبياء العظام وصفاتهم وحالاتهم والمواهب التي أعطاهم الله إياها ، فتقول : (أُولئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيّينَ مِن ذُرّيَّةِءَادَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوْحٍ وَمِنْ ذُرّيَّةِ إِبْرهِيمَ وَإِسْرَاءِيلَ).
إنّ المراد من ذرّية آدم في هذه الآية هو إدريس ، حيث كان ـ حسب المشهور ـ جدّ النبي نوح.
والمراد من الذرية ، هم الذين ركبوا مع نوح في السفينة ، لأنّ إبراهيم كان من أولاد سام بن نوح. والمراد من ذرّية إبراهيم : إسحاق وإسماعيل ويعقوب ؛ والمراد من ذرّية إسرائيل : موسى وهارون وزكريا ويحيى وعيسى.
ثم تكمل الآية هذا البحث بذكر الأتباع الحقيقيين لهؤلاء الأنبياء ، فتقول : (وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمُءَايتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا) (١).
ثم تتحدث الآيات عن جماعة انفصلوا عن دين الأنبياء المربي للإنسان ، وكانوا خلفاً سيئاً لم ينفّذوا ما أريد منهم ، وتعدد الآية قسماً من أعمالهم القبيحة ، فتقول : (فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَوةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا).
«خَلْف» بمعنى الأولاد الطالحين ؛ و «خَلَف» بمعنى الأولاد الصالحين.
وهذه الجملة قد تكون إشارة إلى جماعة من بني إسرائيل ساروا في طريق الضلال ، فنسوا الله ، ورجّحوا اتباع الشهوات على ذكر الله.
إنّ المراد من إضاعة الصلاة هنا القيام بأعمال تضيع الصلاة في المجتمع.
ولمّا كان منهج القرآن في كل موضع هو فتح ابواب الرجوع إلى الإيمان والحق دائماً ، فإنّه
__________________
(١) «سجد» : جمع ساجد ؛ و «بكي» : جمع باك.