يقول هنا أيضاً بعد ذكر مصير الأجيال المنحرفة : (إِلَّا مَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيًا) ، وعلى هذا فلا يعني أنّ الإنسان إذا غاص يوماً في الشهوات فسيكتب على جبينه اليأس من رحمة الله.
طبقاً لنقل كثير من المفسرين ، فإنّ إدريس جدّ سيدنا نوح عليهالسلام واسمه في التوراة «أخنوخ» وفي العربية (إدريس) ، وذهب البعض أنّه من مادة (درس) لأنّه أوّل من كتب بالقلم ، فقد كان إضافة إلى النبوّة عالماً بالنجوم والحساب والهيئة ، وكان أوّل من علّم البشر خياطة الملابس.
(جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيّاً (٦١) لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً إِلَّا سَلَاماً وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً (٦٢) تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيّاً) (٦٣)
بعض صفات الجنة : وصفت الجنّة ونعمها في هذه الآيات بأنّها (جَنتِ عَدْنٍ الَّتِى وَعَدَ الرَّحْمنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا).
ثم تشير بعد ذلك إلى نعمة اخرى من أكبر نعم الجنة فتقول : (لَّايَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا) فلا كذب ، ولا عداء ، لا تهمة ولا جرح لسان ، لا سخرية ولا حتى كلام لا فائدة فيه ، بل الشيء الوحيد الذي يسمعونه هو السلام (إِلَّا سَلمًا).
السلام الذي هو علامة على المحيط الآمن ، المحيط الملي بالصفاء والعلاقة الحميمة والطهارة والتقوى والصلح والهدوء والإطمئنان.
وبعد هذه النعمة تشير الآية إلى نعمة اخرى فتقول : (وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا).
وبعد الوصف الإجمالي للجنة ونعمها المادية والمعنوية ، تعرّف الآية أهل الجنة في جملة قصيرة ، فتقول : (تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِى نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيًّا). وعلى هذا فإنّ مفتاح باب الجنة مع كل تلك النعم التي مرّت ليس إلّا «التقوى».
(وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً (٦٤) رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً) (٦٥)