(ثُمَّ نُنَجّى الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظلِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا). فنتركهم فيها جالسين على الركب من الضعف والذّل.
وهناك بحث مفصّل بين المفسرين في تفسير هاتين الآيتين حول المراد من «الورود» في جملة (وَإِن مّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا) ؛ فاختار أكثر المفسرين ، أنّ الورود هنا بمعنى الدخول ، وعلى هذا الأساس فإنّ كل الناس بدون استثناء ـ محسنهم ومسيؤهم ـ يدخلون جهنّم ، إلّاأنّها ستكون برداً وسلاماً على المحسنين ، كحال نار نمرود على إبراهيم (يَا نَارُ كُونِى بَرْدًا وَسَلمًا عَلَى إِبْرهِيمَ) ، لأنّ النار ليست من سنخ هؤلاء الصالحين ، فقد تفرّ منهم وتبتعد عنهم ، إلّاأنّها تناسب الجهنميين فهم بالنسبة للحجيم كالمادة القابلة للإشتعال ، فما أن تمسّهم النار حتى يشتعلوا.
إنّ مشاهدة جهنم وعذابها في الحقيقة ، ستكون مقدمة لكي يلتذّ المؤمنون بنعم الجنة بأعلى مراتب اللذة.
إنّ أهل النار أيضاً سيلقون عذاباً أشد من رؤية هذا المشهد.
(وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَاماً وَأَحْسَنُ نَدِيّاً (٧٣) وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثاً وَرِئْياً (٧٤) قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدّاً حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَاناً وَأَضْعَفُ جُنْداً (٧٥) وَيَزِيدُ اللهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ مَرَدّاً) (٧٦)
هذه الآيات تتابع ما مرّ في الآيات السابقة في الحديث عن الظالمين الذين لا إيمان لهم ، وتتعرّض لجانب آخر من منطق هؤلاء الظالمين ومصيرهم.
ومن المعلوم أنّ أوّل جماعة آمنت بالرسول الأعظم صلىاللهعليهوآله كانوا من المستضعفين الطاهري القلوب ، والذين خلت أيديهم من مال الدنيا ومغرياتها.
ولما كان المعيار في المجتمع الجاهلي في ذلك الزمان ـ وكذا في كل مجتمع جاهلي آخر ـ هو الذهب والزينة والمال والمقام والمنصب والهيئة الظاهرية ، فكان الأثرياء الظالمون ، كالنضر بن الحارث وأمثاله يفتخرون على المؤمنين الفقراء بذلك ويقولون : إنّ علامة شخصيتنا معنا ، وعلامة عدم شخصيتكم فقركم ومحروميتكم ، وهذا بنفسه دليل على أحقيّتنا وباطلكم ، كما يقول القرآن الكريم في أوّل آية من الآيات مورد البحث : (وَإِذَا تُتْلَى