وأنّها السبب في أن تدبر الدنيا عنهم ، أمّا إذا خرجوا من دائرة الإيمان والتقوى فإنّ الدنيا ستقبل عليهم ، وتزيد ثروتهم وأموالهم.
فقد كان في عصر النبي ـ وكذلك في عصرنا ـ أفراد جاهلون يظنّون هذه الظنون والأوهام ، أو كانوا يتظاهرون بها على الأقل ، فيتحدّث القرآن ـ كمواصلة للبحث الذي بيّنه سابقاً حول مصير الكفار والظالمين ـ في الآيات مورد البحث عن طريقة التفكير هذه وعاقبتها ، فيقول في أوّل آية من هذه الآيات : (أَفَرَءَيْتَ الَّذِى كَفَرَ بَايَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَدًا).
ثم يجيبهم القرآن الكريم : (أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمنِ عَهْدًا). فإنّ الذي يستطيع أن يتكهّن بمثل هذا التكهّن ، ويقول بوجود علاقة بين الكفر والغنى وامتلاك الأموال والأولاد ، مطّلع على الغيب ، لأنّا لا نرى أيّ علاقة بين هاتين المسألتين ، أو يكون قد أخذ عهداً من الله سبحانه ، وهذا الكلام أيضاً لا معنى له.
ثم يضيف بلهجة حادّة : إنّ الأمر ليس كذلك ، ولا يمكن أن يكون الكفر أساساً لزيادة مال وولد أحد مطلقاً : (كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ).
أجل ، فإنّ هذا الكلام الذي لا أساس له قد يكون سبباً في انحراف بعض البسطاء ، وسيثبت كل ذلك في صحيفة أعمال هؤلاء ، (وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا).
إنّ هذه الأموال والأولاد التي هي أساس الغرور والضلال هي بنفسها عذاب مستمر لهؤلاء. (وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ) من الأموال والأولاد ، (وَيَأْتِينَا فَرْدًا).
نعم ، إنّه سيترك في النهاية كل هذه الإمكانيات والأملاك المادية ويرحل ، ويحضر في محكمة العدل الإلهية بأيد خالية ، وفي الوقت الذي اسودّت فيه صحيفة أعماله من الذنوب والمعاصي ، وخلت من الحسنات ... هناك ، حيث يرى نتيجة أقواله الجوفاء في دار الدنيا.
وتشير الآية التالية إلى علّة اخرى في عبادة هؤلاء الأفراد للأصنام ، فتقول : (وَاتَّخَذُوا مِن دُونِ اللهِءَالِهَةً لِّيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا). وليشفعوا لهم عند الله ، ويعينوهم في حلّ مشاكلهم ، لكن ، أيّ ظن خاطىء وخيال ساذج هذا؟!
ليس الأمر كما يظن هؤلاء أبداً ، فليست الأصنام سوف لا تكون لهم عزّاً وحسب ، بل ستكون منبعاً لذلّتهم وعذابهم ، ولهذا فإنّهم سوف ينكرون عبادتهم لها في يوم القيامة : (كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِم وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا).