والذي فلق الحبة وبرىء النسمة إنّهم ليخرجون من قبورهم وبياض وجوههم كبياض الثلج ، عليهم ثياب بياضها كبياض اللبن ، عليهم نعال الذهب شراكها من لؤلؤ يتلألأ».
ثم تقول في المقابل : (وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا). كما تساق الإبل العطشى إلى محل الماء ، إلّاأنّه لا ماء هناك ، بل نار جهنم.
وإذا كانوا يتصورون أنّهم يستطيعون الخلاص عن طريق الشفاعة ، فإنّهم يجب أن يعلموا أنّ هؤلاء الذين يرجونهم (لَّايَمْلِكُونَ الشَّفعَةَ) فلا أحد يشفع لهؤلاء ، فمن طريق أولى أن لا يقدروا على الشفاعة لأحد (إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمنِ عَهْدًا) فهؤلاء هم الوحيدون الذين تنفعهم وتشملهم شفاعة الشافعين ، أو أنّ مقامهم أعلى من هذه الرتبة أيضاً ، ولهم القدرة والصلاحية لأن يشفعوا للعاصين الذين يستحقون الشفاعة.
والمراد من العهد في الآية الشريفة كل نوع من أنواع الإرتباط بالله ومعرفته وطاعته ، وكذلك الإرتباط بمذهب أولياء الحق ، وكل عمل صالح.
(وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً (٨٨) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً (٨٩) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً (٩٠) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً (٩١) وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً (٩٢) إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً (٩٣) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً (٩٤) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً) (٩٥)
لمّا كان الكلام في الآيات السابقة عن الشرك ، وعاقبة عمل المشركين ، فقد أشارت هذه الآيات في نهاية البحث إلى فرع من فروع الشرك ، أي الاعتقاد بوجود ولد لله سبحانه ، وتبيّن مرّة اخرى قبح هذا الكلام بأشدّ وأحدّ بيان ، فتقول : (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَدًا). فليس المسيحيون لوحدهم كانوا يعتقدون بأنّ «المسيح» هو الإبن الحقيقي لله سبحانه ، بل إنّ اليهود كانوا يعتقدون أيضاً مثل هذا الاعتقاد في (عزير) ، وكذلك عبدة الأصنام في (الملائكة) فكانوا يظنّون أنّها بنات الله.
عند ذلك قالت الآية بلهجة شديدة : (لَّقَدْ جِئْتُمْ شَيًا إِدًّا). «الإدّ» : معناه في الأصل الصوت القبيح المضطرب الذي يصل الأذن نتيجة الاضطراب الشديد للأمواج الصوتية في