شَاءَ اللهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَىْءٍ نَّحْنُ وَلَاءَابَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ مِن شَىْءٍ).
إنّ قولهم (وَلَا حَرَّمْنَا) إشارة إلى بعض أنواع الحيوانات التي حرّم لحومها المشركون في عصر الجاهلية ، والتي أنكرها رسول الله صلىاللهعليهوآله بشدة.
وكأنّهم يقولون : إن كانت أعمالنا لا ترضي الله تعالى فلماذا لم يرسل إلينا الأنبياء لينهونا عما نقوم به ، فسكوته وعدم منعه ما كنا نعمل دليل على رضاه.
ولهذا يقول تعالى مباشرة : (كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلغُ الْمُبِينُ).
وهذا هو خط جميع دعاة الحق (من الأنبياء وغيرهم) .. فهم : لا يداهنون في دعوتهم أبداً ولا يجاملون الباطل وأهله ، متحملين كل عواقب هذه الصراحة والقاطعية.
وبعد ذكر وظيفة الأنبياء (البلاغ المبين) ، تشير الآية التالية باختصار جامع إلى دعوة الأنبياء السابقين ، بقولها : (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِى كُلّ أُمَّةٍ رَّسُولاً).
«الامّة» : من «الأم» بمعنى الوالدة ، أو بمعنى كل ما يتضمن شيئاً آخر في داخله ؛ ومن هنا يطلق على جماعة تربطها وحدة معينة من حيث الزمان أو المكان أو الفكر أو الهدف «امّة».
ويبيّن القرآن محتوى دعوة الأنبياء عليهمالسلام بالقول : (أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ). لأنّ اسس التوحيد إذا لم تحكم ولم يطرد الطواغيت من بين المجتمعات البشرية فلا يمكن إجراء أي برنامج إصلاحي.
«الطاغوت» : صيغة مبالغة للطغيان .. أي التجاوز والتعدي وعبور الحد ، فتطلق على كل ما يكون سبباً لتجاوز الحد المعقول ، ولهذا يطلق اسم الطاغوت على الشيطان ، الصنم ، الحاكم المستبد ، المستكبر وعلى كل مسير يؤدّي إلى غير طريق الحق.
ونعود لنرى ما وصلت إليه دعوة الأنبياء عليهمالسلام إلى التوحيد من نتائج ، فالقرآن الكريم يقول : (فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّللَةُ).
والآية (٧٩) من سورة النساء تشير إلى المعنى المذكور بقولها : (مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ).
وفي نهاية الآية يصدر الأمر العام لأجل إيقاظ الضالين وتقوية روحية المهتدين ، بالقول : (فَسِيرُوا فِى الْأَرْضِ فَانظُرُواكَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذّبِينَ).
فالآية دليل ناطق على حرية إرادة الإنسان ، فإنْ كانت الهداية والضلال أمرين