ثم تقول : (إِذْ رَءَا نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنّىءَانَسْتُ نَارًا لَّعَلّىءَاتِيكُم مّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى).
(فَلَمَّا أَتهَا نُودِىَ يَا مُوسَى * إِنّى أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى).
ويستفاد من الآية (٣٠) من سورة القصص ، أنّ موسى قد سمع هذا النداء من جهة شجرة كانت هناك : (فَلَمَّا أَتهَا نُودِىَ مِنْ شطِىِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِى الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يمُوسَى إِنّى أَنَا اللهُ رَبُّ الْعلَمِينَ). إنّ موسى لمّا اقترب شاهد النار في داخل الشجرة ، وهذه النار ليست ناراً عادية ، بل إنّ هذا النور الإلهي الذي ليس لم يحرق الشجرة وحسب ، بل إنّه منسجم معها ، ألا وهو نور الحياة.
وقد هام موسى لدى سماعه هذا النداء المحيي للروح : (إِنّى أَنَا رَبُّكَ) وشعر بكل وجوده بلذّة لا يمكن وصفها.
لقد امر أن يخلع نعليه ، لأنّه قد وضع قدمه في أرض مقدسة ... الأرض التي تجلّى فيها النور الإلهي ، ويسمع فيها نداء الله ، ويتحمل مسؤولية الرسالة ، فيجب أن يخطو في الأرض بمنتهى الخضوع والتواضع ، وهذا هو سبب خلعه النعل عن رجله.
ثم سمع هذا الكلام من نفس المتكلم : (وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى). ومن بعدها تلقّى موسى أوّل جملة من الوحي على شكل ثلاثة امور : (إِنَّنِى أَنَا اللهُ لَاإِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِى وَأَقِمِ الصَّلَوةَ لِذِكْرِى). شرعت هذه الآية في بيان أهم أصل لدعوة الأنبياء في هذه الآية ، ألا وهو مسألة التوحيد ، وبعدها ذكرت موضوع عبادة الله الواحد كثمرة لشجرة الإيمان والتوحيد ، ثم أصدرت له أمر الصلاة بعد ذلك ، وهي تعني أكبر عبادة وأهم إرتباط بين الخلق والخالق ، وأكثر الطرق تأثيراً في عدم الغفلة عن الذات المقدسة.
ولمّا كان المعاد هو الأصل والأساس الثاني ، فبعد ذكر التوحيد وأغصانه وفروعه ، أضافت الآية التالية : (إِنَّ السَّاعَةَءَاتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَعْسَى).
إنّ علّة إخفاء تاريخ القيامة حسب الآية ، هي : (لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَعْسَى). وبتعبير آخر : فإنّ كون الساعة مخفية سيوجد نوعاً من حرية العمل للجميع.
وأشارت الآية الأخيرة إلى أصل اساسي يضمن تنفيذ كل البرامج العقائدية والتربوية ، فتقول : (فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَن لَّايُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَيهُ) والّا فسوف تهلك (فَتَرْدَى) فاصمد في مقابل الكافرين ووساوسهم وعراقيلهم ، ولا تدع للخوف من كثرتهم