ومع هذه الحال ، فقد كان موسى وهارون قلقين من أنّ هذا الرجل القوي المتغطرس المستكبر ، الذي عمّ رعبه وخشونته كل مكان ، قد يقدم على عمل قبل أن يبلّغان الدعوة ، ويهلكهما ، لذلك (قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَى).
إلّا أنّ الله سبحانه قد أجابهما بحزم : ف (قَالَ لَاتَخَافَا إِنَّنِى مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى) وبناءً على هذا ، فمع وجود الله القادر معكما في كل مكان ، الله الذي يسمع كل شيء ، ويرى كل شيء ، وهو حاميكما وسندكما ، فلا معنى للخوف والرعب.
ثم يبيّن لهما بدقّة كيفية إلقاء دعوتهما في محضر فرعون في خمس جمل قصار قاطعة غنيّة المحتوى ، ترتبط أوّلها بأصل المهمة ، والثانية ببيان محتوى المهمة ، والثالثة بذكر الدليل والسند ، والرّابعة بترغيب الذين يقبلونها ، وأخيراً فإنّ الخامسة تكفّلت بتهديد المعارضين.
فتقول أوّلاً : (فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبّكَ).
ثم تقول : (فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِى إِسْرَاءِيلَ وَلَا تُعَذّبْهُمْ).
ثم أشارت إلى دليلهما ووثيقتهما ، فتقول : قولا له : (قَدْ جْنكَ بَايَةٍ مِّن رَّبّكَ). وبناءً على هذا ، فإنّ العقل يحكم بأن تفكّر في كلامنا على الأقل ، وأن تقبله إن كان صحيحاً ومنطقياً.
ثم تضيف الآية من باب ترغيب المؤمنين : (وَالسَّلمُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى). وهذه الجملة يمكن أن تشير أيضاً إلى معنى آخر ، وهو أنّ السلامة في هذه الدنيا ، والعالم الآخر من الآلام والعذاب الإلهي الأليم ، ومن مشاكل الحياة الفردية والاجتماعية ، من نصيب اولئك الذين يتّبعون الهدى الإلهي ، وهذه في الحقيقة هي النتيجة النهائية لدعوة موسى.
وأخيراً ، فإنّ الله يأمرهما أن يُفهماه العاقبة المشؤومة للتمرد على هذه الدعوة وعصيانها ، بقولهما له : (إِنَّا قَدْ أُوحِىَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَن كَذَّبَ وَتَوَلَّى).
إنّ هذه حقيقة يجب أن تقال لفرعون بدون لفّ ودوران ، وبدون أي تغطية وتورية.
(قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى (٤٩) قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (٥٠) قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى (٥١) قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى (٥٢) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى (٥٣) كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى (٥٤) مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى) (٥٥)