طريق النجاة الوحيد : تعقيباً على البحث السابق في نجاة بني إسرائيل بصورة إعجازية من قبضة الفراعنة ، خاطبت هذه الآيات الثلاث بني إسرائيل بصورة عامة ، وفي كل عصر وزمان ، وذكرتهم بالنعم الكبيرة التي منحها الله إيّاهم ، وأوضحت طريق نجاتهم. فقالت أوّلاً : (يَا بَنِى إِسْرَاءِيلَ قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِن عَدُوّكُمْ).
ثم تشير إلى واحدة من النعم المعنوية المهمة ، فتقول : (وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ). وهذه إشارة إلى حادثة ذهاب موسى عليهالسلام مع جماعة من بني إسرائيل إلى مكان ميعادهم في الطور ، ففي ذلك المكان أنزل الله سبحانه ألواح التوراة على موسى وكلّمه ، وشاهدوا جميعاً تجلّي الله سبحانه.
وأخيراً أشارت إلى نعمة ماديّة مهمة من نعم الله الخاصة ببني إسرائيل ، فتقول : (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى). ففي تلك الصحراء كنتم حيارى ، ولم يكن عندكم شيء من الطعام المناسب ، فأدرككم لطف الله ، ورزقكم من الطعام الطيّب اللذيذ ما كنتم بأمسّ الحاجة إليه.
و «المنّ» نوعاً من العسل الطبيعي كان موجوداً في الجبال المجاورة لتلك الصحراء ؛ و «السلوى» نوع من الطيور المحللة اللحم شبيهاً بالحمام.
ثم تخاطبهم الآية التالية بعد ذكر هذه النعم الثلاث العظيمة ، فتقول : (كُلُوا مِن طَيّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ).
الطغيان في النعمة هو أن يتخذ الإنسان هذه النعم وسيلة للذنب والجحود والكفران والتمرد والعصيان ، بدل أن يستغلّها في طاعة الله وسعادته ، تماماً كما فعل بنو إسرائيل ، ولذلك حذّرتهم الآية بعد ذلك فقالت : (فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِى وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِى فَقَدْ هَوَى). «هوى» : في الأصل بمعنى السقوط من المكان المرتفع ، والذي تكون نتيجته الهلاك عادةً ، إضافة إلى أنّه هنا إشارة إلى السقوط الرتبي والبعد عن قرب الله ، والطرد من رحمته.
ولما كان من الضروري أن يقترن التحذير والتهديد بالترغيب والبشارة دائماً ، لتتساوى كفّتا الخوف والرجاء ، حيث تشكّلان العامل الأساسي في تكامل الإنسان ، ولتفتح أبواب التوبة والرجوع بوجه التائبين ، فقد قالت الآية التالية : (وَإِنّى لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى).
«غفّار» : صيغة مبالغة ، وتوحي أنّ الله سبحانه لا يقبل هؤلاء التائبين ويشملهم برحمته مرّة واحدة فقط ، بل سيعمّهم عفوه ومغفرته مرّات ومرّات.