النبي صلىاللهعليهوآله عن مصير الجبال عند انتهاء الدنيا. ولذلك يقول : (وَيَسَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ). والجواب : (فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبّى نَسْفًا) (١).
يستفاد من مجموع آيات القرآن حول مصير الجبال أنّها تمرّ عند حلول القيامة بمراحل مختلفة : فهي ترجف وتهتزّ أوّلاً : (يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ) (٢).
ثم تتحرّك : (وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا) (٣).
وفي المرحلة الثالثة تتلاشى وتتحوّل إلى كثبان من الرمل : (وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَّهِيلاً) (٤).
وفي المرحلة الأخيرة سيزحزحها الهواء والطوفان من مكانها ويبعثرها في الهواء وتبدو كالصوف المنفوش : (وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ) (٥).
ثم تقول الآية : إنّ الله سبحانه بعد تلاشي الجبال وتطاير ذرّاتها يأتي أمره إلى الأرض (فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا* لَّاتَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا) (٦). وفي ذلك الحين يدعو الداعي الإلهي جميع البشر إلى الحياة والاجتماع في المحشر للحساب فيلبّي الجميع دعوته ويتّبعونه (يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِىَ لَاعِوَجَ لَهُ). كما أنّ سطح الأرض يصبح صافياً ومستوياً بحيث لا يبقى فيه أيّ إعوجاج ، فإنّ أمر الله والداعي أيضاً كل منهما صافٍ ومستقيم جلي ، واتّباعه واضح لا سبيل لأيّ إنحراف وإعوجاج إليه.
عند ذلك : (وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا). إنّ هدوء الأصوات أو خشوعها هذا إمّا هو لهيمنة العظمة الإلهية على عرصة المحشر حيث يخضع لها الجميع ، أو خوفاً من الحساب ونتيجة الأعمال ، أو لكليهما.
__________________
(١) «نسف» : تعني وضع الحبوب الغذائية في الغربال وغربلتها ، أو ذرها في الهواء لينفصل الحبّ عن القشر ، وهنا إشارة إلى تلاشي الجبال وتهشّمها ، ثم تناثرها في الهواء.
(٢) سورة المزمل / ١٤.
(٣) سورة الطور / ١٠.
(٤) سورة المزمل / ١٤.
(٥) سورة القارعة / ٥.
(٦) يستفاد من مجموع هذين الوصفين (القاع وصفصفاً) أنّ كل الجبال والنباتات ستمحى من على وجه الأرض في ذلك اليوم وستبقى الأرض مستوية خالية.
«العوج» : بمعنى الإعوجاج ؛ و «الأمت» : أي الأرض المرتفعة والربية ، وبناءً على هذا فإنّ معنى الآية هو أنّه لا يرى في ذلك اليوم أيّ إرتفاع وإنخفاض على وجه الأرض.