والثانية : إنّ جملة (صرّفنا) أحياناً تشير إلى التعبيرات القرآنية المختلفة حول حادثة واحدة ، فمثلاً نراه يبيّن مسألة الوعيد وعقاب المجرمين من خلال ذكر قصص الامم السابقة وحوادثها تارة ، وتارة اخرى على هيئة خطاب موجّه للحاضرين ، وثالثة بتجسيد حالهم في مشهد القيامة ، وهكذا.
أمّا الآية التالية فتضيف قائلة : (فَتَعَالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ).
وبما أنّ النبي صلىاللهعليهوآله كان يعجّل في إبلاغ الوحي وما ينزل من القرآن لاهتمامه به وتعشّقه أن يحفظه المسلمون ويستظهروه ، ولم يتمهّل أن يتمّ جبرئيل ما يلقيه عليه من الوحي فيبلغه عنه ، فإنّ الآية محلّ البحث تذكّره بأن يتمهّل فتقول : (وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْءَانِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُل رَّبّ زِدْنِى عِلْمًا).
فإذا كان النبي صلىاللهعليهوآله مأموراً أن يطلب زيادة العلم من ربّه إلى آخر عمره مع غزارة علمه ، وروحه المليئة وعياً وعلماً ، فإنّ واجب الآخرين واضح جدّاً ، وفي الحقيقة ، فإنّ العلم من وجهة نظر الإسلام لا يعرف حدّاً ، وزيادة الطلب في كثير من الامور مذمومة إلّافي طلب العلم فانّها ممدوحة ، والإفراط قبيح في كل شيء إلّافي طلب العلم.
(وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً (١١٥) وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى (١١٦) فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى (١١٧) إِنَّ لَكَ أَنْ تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى (١١٨) وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى (١١٩) فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى (١٢٠) فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (١٢١) ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى) (١٢٢)
آدم ومكر الشيطان : إنّ هذه الآيات وما بعدها تتحدث عن قصة آدم وحواء ، وعداء ومحاربة إبليس لهما ، وربما كانت إشارة إلى أنّ الصراع بين الحق والباطل لا ينحصر بالأمس واليوم ، وموسى عليهالسلام وفرعون ، بل كان منذ بداية خلق آدم وسيستمر كذلك.