وبالرغم من أنّ قصة آدم وإبليس قد وردت مراراً في القرآن ، إلّاأنّها تمتزج في كل مورد بملاحظات ومسائل جديدة ، وهنا تتحدث أوّلاً عن عهد الله إلى آدم فتقول : (وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى ءَادَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِىَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا).
والمراد من العهد المذكور ، أمر الله بعدم الإقتراب من الشجرة الممنوعة.
فلا شك أنّ آدم لم يرتكب معصية ، بل بدر منه ترك الأولى. أو بتعبير آخر ، فإنّ مرحلة وجود آدم في الجنّة لم تكن مرحلة تكليف ، بل كانت مرحلة تجريبية للإستعداد للحياة في هذه الدنيا وتقبّل المسؤولية.
ثم أشارت إلى جانب آخر من هذه القصة ، فقالت : (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلِكَةِ اسْجُدُوا لِأَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إبْلِيسَ أَبَى). ومن هنا يتّضح مقام آدم العظيم ، آدم الذي سجدت له الملائكة ، كما أنّ عداوة إبليس تجلّت له ضمناً من أوّل الأمر إذ لم يخضع لآدم ولم يعظّمه.
لا شك أنّ السجدة لا تعني السجدة الخاصة بعبادة الله ، ولا أحد أو موجود يستحق أن يكون معبوداً من دون الله سبحانه ، وبناءً على هذا فإنّ هذه السجدة كانت لله ، غاية ما هناك أنّها كانت من أجل خلق هذا الموجود العظيم. فإنّ الله سبحانه تعالى أنذر آدم بقوله : (فَقُلْنَا يَاءَادَمُ إِنَّ هذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى).
من الواضح أنّ الجنة هنا لا يراد منها جنّة الخلود في العالم الآخر ، والتي هي نقطة تكامل لا يمكن الخروج منها أو التراجع عن نعيمها ، بل كانت بستاناً فيه كل شيء مما في بساتين هذه الدنيا ، ولم يكن فيها نصب ولا غصّة بلطف الله.
ثم يبيّن الله لآدم راحة الجنة وهدوءها ، وألم ومشقة الخروج منها ، فيقول : (إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى * وَأَنَّكَ لَاتَظْمَؤُا فِيهَا وَلَا تَضْحَى).
فقد اشير في هاتين الآيتين إلى أربع إحتياجات أصلية وابتدائية للإنسان ، أي : الحاجة إلى الغذاء ، والماء ، واللباس ـ للحماية من حرارة الشمس ـ والمسكن ، لكن ومع كل ذلك ، فإنّ الشيطان قد ربط رباط العداوة حول آدم ، ولهذا لم يهدأ له بال : (فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطنُ قَالَ يَاءَادَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّايَبْلَى).
«الوسوسة» : في الأصل تعني الصوت المنخفض جدّاً ، ثم قيلت لخطور الأفكار السافلة والخواطر السيئة سواء كانت تنبع من داخل الإنسان ، أو من خارجه.
إنّ الشيطان تتبّع رغبة آدم وأنّها في أيّ شيء ، فوجد أنّ رغبته في الحياة الخالدة