والوصول إلى القدرة الأزلية ، ولذلك جاء إليه عن هذين العاملين وإستغلّهما في سبيل جرّه إلى مخالفة أمر الله.
وأخيراً وقع المحذور ، وأكل آدم وحواء من الشجرة الممنوعة ، فتساقط عنهما لباس الجنة ، فبدت أعضاؤهما : (فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا) (١). فلما رأى آدم وحواء ذلك إستحييا (وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ) (٢). نعم ، لقد كانت العاقبة المؤسفة (وَعَصَى ءَادَمُ رَبَّهُ فَغَوَى). «غوى» : اخذت من مادّة الغي ، أي العمل الصبياني الناشىء من إعتقاد خاطىء ، ولما كان آدم هنا قد أكل ـ جهلاً وإشتباهاً ـ من الشجرة المحرمة ، نتيجة للظن الذي حصل له من قول الشيطان ، فقد عُبّر عن عمله ب (غوى).
ولكن لما كان آدم نقيّاً ومؤمناً في ذاته ، وكان يسير في طريق رضى الله سبحانه ، وكان لهذا الخطأ الذي أحاط به نتيجة وسوسة الشيطان صفة استثنائية ، فإنّ الله سبحانه لم يبعده عن رحمته إلى الأبد ، بل (ثُمَّ اجْتَبهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى).
(قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (١٢٣) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (١٢٤) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً (١٢٥) قَالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (١٢٦) وَكَذلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى) (١٢٧)
مع أنّ توبة آدم قد قبلت ، إلّاأنّ عمله أدّى إلى عدم استطاعته الرجوع إلى الحالة الاولى ، ولذا فإنّ الله سبحانه أصدر أمره لآدم وحواء كليهما وكذلك الشيطان أن يهبطوا جميعاً من الجنة : (قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ). إلّاأنّي اعلمكم بأنّ طريق النجاة والسعادة مفتوح أمامكم (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنّى هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاىَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى).
__________________
(١) «سوءات» : جمع سوءة ، وهي في الأصل كل شيء غير سار ويسيء الإنسان ، ولذلك تطلق أحياناً على جسد الميّت ، وأحياناً على العورة ، والمراد هنا هو المعنى الأخير.
(٢) «يخصفان» : من مادّة خصف ، وهي هنا تعني خياطة اللباس.