بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمـَنِ الرَّحِيمِ
(اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (١) مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (٢) لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (٣) قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٤) بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ) (٥)
تبدأ هذه السورة بتحذير قوي شديد موجّه لعموم الناس ، تحذير يهزّ الوجدان ويوقظ الغافلين ، فتقول : (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِى غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ).
إنّ عمل هؤلاء يدلّ على أنّ هذه الغفلة عمّت كل وجودهم ، وإلّا فكيف يمكن للإنسان أن يؤمن بإقتراب الحساب ... الحساب الدقيق المتناهي في الدقة ، ومع كل ذلك لا يكترث بالامور ويرتكب أنواع الذنوب.
كلمة (إقترب) لها دلالة على التأكيد أكثر من (قرب) وهي إشارة إلى أنّ هذا الحساب قد أصبح قريباً جدّاً.
ثم إنّ الفرق بين «الغفلة» و «الإعراض» يمكن أن يكون من جهة أنّ هؤلاء غافلون عن إقتراب الحساب ، وهذه الغفلة هي تسبّب الإعراض عن آيات الله سبحانه.
إنّ المراد من إقتراب الحساب والقيامة هو أنّ ما بقي من الدنيا قليل في مقابل ما مضى منها ، ولهذا فإنّ القيامة ستكون قريبة ـ قرباً نسبيّاً ـ خاصة وأنّه قد روي ـ في تفسير مجمع البيان ـ عن رسول الله صلىاللهعليهوآله قال : (بعثت أنا والساعة كهاتين) وأشار إلى السبابة والوسطى اللتين تقع إحداهما إلى جنب الاخرى.
ثم تبيّن الآية التالية علامة من علامات إعراض هؤلاء بهذه الصورة : (مَا يَأْتِيهِم مّن ذِكْرٍ مّن رَّبّهِم مُّحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ).
كلمة «ذكر» في الآية إشارة إلى كل كلام منبّه يوقظ الغافلين ، والتعبير بـ (محدث) إشارة إلى أنّ الكتب السماوية كانت تنزل الواحد تلو الآخر ، وتحتوي كل سورة من سور القرآن ، وكل آية من آياته محتوى جديداً ينفذ إلى قلوب الغافلين بطرق مختلفة ، لكن أيّ فائدة مع مَن يتّخذ كل ذلك هزواً؟