والشرب والملذّات ، ويظنّون أنّ العالم بلا هدف ، القرآن الكريم يقول في الآيات التي نبحثها من أجل إبطال هذا النوع من التفكير ، وإثبات وجود هدف عال وسام من وراء خلق كل العالم ، وخاصة البشر : (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لعِبِينَ).
إنّ هذه الأرض الواسعة ، وهذه السماء المترامية الأطراف ، وكل هذه الموجودات المتنوعة البديعة التي توجد في ساحتها تبيّن أنّ هدفاً مهماً في خلقها ... نعم ، إنّ الهدف هو بيان قدرة الخالق الجليل ، وإبراز جانب من عظمته من جهة ، ومن جهة اخرى ليكون دليلاً على المعاد ، وإلّا فإنّ كل هذه الضجّة والغوغاء إن كانت لبضعة أيّام فلا معنى لها.
ثم تقول الآية التالية : الآن وقد ثبت أنّ العالم له هدف فإنّه لا ريب في أنّ الهدف من هذا الخلق لم يكن أن يلهو الله سبحانه وتعالى عن ذلك ، فإنّ هذا اللهو غير معقول ، ف (لَوْ أَرَدْنَا أَن نَّتَّخِذَ لَهْوًا لَّاتَّخَذْنهُ مِن لَّدُنَّا إِن كُنَّا فعِلِينَ). «اللعب» : يعني العمل غير الهادف ، و «اللهو» : إشارة إلى الأهداف غير المعقولة والملاهي.
هذه الآية تبيّن حقيقتين :
الاولى : أنّه تشير إلى أنّ من المحال أن يكون هدف الله هو اللهو.
والاخرى : إنّه على فرض أنّ الهدف هو اللهو ، فيجب أن يكون لهواً مناسباً لذاته ، كأن يكون من عالم المجردات وأمثال ذلك ، لا من عالم المادة المحدود.
ثم تقول بلهجة قاطعة من أجل إبطال أوهام الجاهلين الذين يظنّون عدم هدفية الدنيا ، بل هي للهو واللعب فقط : إنّ هذا العالم مجموعة من الحق والواقع ، ولم يقم أساسه على الباطل (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقّ عَلَى الْبطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ). وتقول في النهاية : (وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ) وتتحدثون عن عدم هدفية الخلق.
أي إنّنا نجعل الأدلة العقلية والإستدلالات الواضحة والمعجزات البيّنة إلى جانب ظنون وأوهام اللاهدفيين ، لتتبخّر وتتلاشى هذه الأوهام في نظر العلماء وأصحاب الفكر والرأي.
«نقذف» : من مادة «قذف» بمعنى الإلقاء ، وخاصةً الإلقاء من طريق بعيد ، ولما كان للقذف من بعيد سرعة وقوة أكثر ، فإنّ هذا التعبير يبيّن قدرة إنتصار الحق على الباطل.
«يدمغه» : (على قول الراغب) كسر «الجمجمة والدماغ» ، وتعتبر أكثر نقطة في بدن الإنسان حساسية ، وهو تعبير بليغ عن غلبة جند الحق غلبة واضحة قاطعة.