وتبيّن الآية التالية أحد الأدلة الواضحة على نفي آلهة وأرباب المشركين ، فتقول : (لَوْ كَانَ فِيهِمَاءَالِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحنَ اللهِ رَبّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ).
هذه الإدعاءات غير الصحيحة وهذه الأرباب المصنوعة والآلهة المظنونة ليست إلّا أوهاماً ، وساحة كبرياء ذاته المقدسة لا تتلوّث بهذه النسب المغلوطة.
إنّ الدليل الوارد في الآية آنفة الذكر الذي يتحرك لإثبات التوحيد ونفي الآلهة ، في الوقت الذي هو بسيط وواضح ، فإنّه من البراهين الفلسفية الدقيقة في هذا الباب ، ويذكره العلماء تحت عنوان (برهان التمانع). ويمكن إيضاح خلاصة هذا البرهان بما يلي :
إنّنا نرى نظاماً واحداً حاكماً في هذا العالم ، إنّ إنسجام القوانين وأنظمة الخلقة هذه يحكي أنّها تنبع من عين واحدة ، لأنّ البدايات إن كانت متعددة ، والإرادات مختلفة ، لم يكن يوجد هذا الإنسجام مطلقاً. لأنّ لكل واحدة قضاء ، وكانت الاخرى تمحو أثر الاولى ، وسيؤول العالم إلى الفساد عندئذ.
وبعد أن ثبت بالإستدلال الذي ورد في الآية توحيد مدبّر ومدير هذا العالم ، فتقول الآية التالية : إنّه قد نظّم العالم بحكمة لا مجال فيها للإشكال والإنتقاص ولا أحد يعترض عليه في خلقه : (لَايُسَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسَلُونَ).
إنّ لدينا نوعين من الأسئلة :
الأوّل : السؤال التوضيحي ، وهو أن يكون الإنسان يريد أن يعلم النقطة الأصلية والهدف الحقيقي من المسائل ، ومثل هذا السؤال جائز حتى حول أفعال الله.
أمّا النوع الثاني : فهو السؤال الإعتراضي ، والذي يعني أنّ العمل الذي تمّ كان خطأً. من المسلم أنّ هذا النوع من السؤال لا معنى له حول أفعال الله الحكيم ، إلّاأنّ مجال هذا السؤال حول أفعال الآخرين واسع.
وتشتمل الآية التالية على دليلين آخرين في مجال نفي الشرك ، فمضافاً إلى الدليل السابق يصبح مجموعها ثلاثة أدلة.
تقول الآية أوّلاً : (أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِءَالِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهنَكُمْ). وهو إشارة إلى أنّكم إذا صرفتم النظر عن الدليل السابق القائم على أنّ نظام عالم الوجود دليل على التوحيد ، فإنّه لا يوجد أيّ دليل ـ على الأقل ـ على إثبات الشرك والوهية هذه الآلهة ، فكيف يتقبّل إنسان عاقل مطلباً لا دليل عليه؟