ثم تبيّن أوصاف الملائكة في ستّة أقسام تشكّل بمجموعها دليلاً واضحاً على نفي كونهم أولاداً :
١ ـ (بَلْ عِبَادٌ).
٢ ـ (مُّكْرَمُونَ).
فليس هؤلاء عباداً هاربين خضعوا للخدمة تحت ضغط المولى ، ولذلك فإنّ الله سبحانه قد أحبّهم ، وأفاض عليهم من مواهبه نتيجة لإخلاصهم في العبودية.
٣ ـ إنّ هؤلاء على درجة من الأدب والخضوع والطاعة لله بحيث (لَايَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ).
٤ ـ وكذلك من ناحية العمل أيضاً فهم مطيعون (وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ).
فهل هذه صفات الأولاد ، أم صفات العبيد؟
ثم أشارت إلى إحاطة علم الله بهؤلاء فتقول : إنّ الله تعالى يعلم أعمالهم الحاضرة والمستقبلية ، وكذلك أعمالهم السالفة ، وأيضاً يعلم ما في دنياهم وآخرتهم ، وقبل وجودهم وبعده : (يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ) ومن المسلّم أنّ الملائكة مطلعون على هذا الموضوع ، وهو أنّ لله إحاطة علمية بهم ، وهذا العرفان هو السبب في أنّهم لا يسبقونه بالقول ، ولا يعصون أمره ، ولهذا فإنّ هذه الجملة يمكن أن تكون بمثابة تعليل للآية السابقة.
٥ ـ ولا شك أنّ هؤلاء الذين هم عباد الله المكرمون المحترمون يشفعون للمحتاجين ، لكن ينبغي الإلتفات إلى أنّ هؤلاء (وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى).
ثم إنّ هذه الجملة تجيب ضمناً اولئك الذين يقولون : إنّنا نعبد الملائكة لتشفع لنا عند الله ، فيقول القرآن لهم : إنّ هؤلاء لا يقدرون على فعل شيء من تلقاء أنفسهم ، وكل ما تريدونه يجب أن تطلبوه من الله مباشرةً ، وحتى إذن شفاعة الشافعين.
٦ ـ ونتيجة لهذه المعرفة والوعي (وَهُم مّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ).
«الخشية» : تعني الخوف المقترن بالتعظيم والإحترام ؛ و «مشفق» : من مادة الإشفاق ، بمعنى التوجه الممتزج بالخوف ، لأنّها في الأصل مأخوذة من الشفق ، وهو الضياء الممتزج بالظلمة. فبناءً على هذا ، فإنّ خوف الملائكة ليس كخوف الإنسان من حادثة مرعبة مخيفة ، وكذلك إشفاقهم فإنّه لا يشبه خوف الإنسان من موجود خطر ، بل إنّ خوفهم وإشفاقهم ممزوجان بالإحترام ، والعناية والتوجه ، والمعرفة والإحساس بالمسؤولية.
من الواضح أنّ الملائكة مع هذه الصفات البارزة والممتازة ، ومقام العبودية الخالصة لا