(وَجَعَلْنَا فِى الْأَرْضِ رَوَاسِىَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ) (١).
إنّ الجبال كالدرع الذي يحمي الأرض ، وهذا هو الذي يمنع ـ إلى حد كبير ـ من الزلازل الأرضية الشديدة التي تحدث نتيجة ضغط الغازات الداخلية ، إضافةً إلى أنّ وضع الجبال هذا يقلّل من حركات القشرة الأرضيّة أمام ظاهرة المدّ والجزر الناشئة بواسطة القمر إلى الحدّ الأدنى.
ومن جهة اخرى فلولا الجبال ، فإنّ سطح الأرض سيكون معرّضاً للرياح القوية دائماً ، وسوف لا تستقرّ على حال أبداً ، كما هي حال الصحاري المقفرة المحرقة.
ثم أشارت الآية إلى نعمة اخرى ، وهي أيضاً من آيات عظمة الله ، فقالت : (وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلاً لَّعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ).
ولو لم تكن هذه الوديان والفجاج ، فإنّ سلاسل الجبال العظيمة الموجودة في المناطق المختلفة من الأرض كانت ستنفصل بعضها عن بعض بحيث ينفصل إرتباطها تماماً ، وهذا يدلّ انّ هذه الظواهر الكونية خلقت كلها وفق حساب دقيق.
ولما كان إستقرار الأرض لا يكفي لوحده لإستقرار حياة الإنسان ، بل يجب أن يكون آمناً مما فوقه ، فإنّ الآية التالية تضيف : (وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَّحْفُوظًا وَهُمْ عَنْءَايَاتِهَا مُعْرِضُونَ).
المراد من السماء هنا هو الجو الذي يحيط بالأرض دائماً ، وتبلغ ضخامته مئات الكيلومترات كما توصّل إليه العلماء.
وهذه الطبقة رقيقة ظاهراً ، وتتكوّن من الهواء والغازات ، وهي محكمة ومنيعة إلى الحد الذي لا ينفذ جسم من خارجها إلى الأرض إلّاويفنى ويتحطّم ، فهي تحفظ الكرة الأرضية من سقوط الشهب والنيازك «ليل نهار» التي تعتبر أشد خطراً حتى من القذائف والصواريخ الحربية.
إضافةً إلى أنّ هذا الغلاف الجوي يقوم بتصفية أشعة الشمس التي تحتوي على أشعة قاتلة وتمنع من نفوذ تلك الأشعة الكونية القاتلة.
وتطرقت الآية الأخيرة إلى خلق الليل والنهار والشمس والقمر ، فقالت : (وَهُوَ الَّذِى
__________________
(١) «رواسي» : جمع راسية ، أي الجبال الثابتة ، ولمّا كانت هذه الجبال تتّصل جذورها ، فيمكن أن تكون إشارة إلى هذا الإرتباط ؛ و «تميد» : من الميد ، وهو الهزّة والحركة غير الموزونة للأشياء الكبيرة.