خَلَقَ الَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِى فَلَكٍ يَسْبَحُونَ).
إنّ المراد من حركة الشمس في الآية إمّا الدوران حول نفسها ، أو حركتها ضمن المنظومة الشمسية.
(وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ (٣٤) كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) (٣٥)
الموت يتربّص بالجميع : قرأنا في الآيات السابقة أنّ المشركين قد تشبّثوا بمسألة كون النبي صلىاللهعليهوآله بشراً من أجل التشكيك بنبوته. إنّ الآيات محل البحث أشارت إلى بعض إشكالات هؤلاء ، فهم يشيعون تارةً أنّ إنتفاضة النبي (وفي نظرهم شاعر) لا دوام لها ، وسينتهي بموته كل شيء ، كما جاء في الآية (٣٠) من سورة الطور : (أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ).
وكانوا يظنّون تارةً اخرى أنّ هذا الرجل لمّا كان يعتقد أنّه خاتم النبيين ، فيجب أن لا يموت أبداً ليحفظ دينه ، وبناء على هذا فإنّ موته في المستقبل سيكون دليلاً على بطلان إدّعائه. فيجيبهم القرآن في أوّل آية فيقول : (وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِن قَبْلِكَ الْخُلْدَ).
إنّ قانون الخلقة هذا لا يقبل التغيير ، أي انّه لا يكتب لأحد الخلود ، وإذا كان هؤلاء يفرحون بموتك : (أَفَإِين مّتَّ فَهُمُ الْخلِدُونَ).
إنّ بقاء الشريعة والدين لا يحتاج إلى بقاء الرسول ، فمن الممكن أن يستمر خلفاؤه في إقامة دينه والسير على خطاه.
ثم يذكر قانون الموت العام الذي يصيب كل النفوس بدون استثناء فيقول : (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ).
إنّ لفظة (النفس) قد استعملت في القرآن بمعان مختلفة ، فأوّل معنى للنفس هو الذات ، وهذا المعنى واسع يطلق حتى على ذات الله المقدسة ، كما جاء في الآية (١٢) من سورة الأنعام : (كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ).
ثم استعملت هذه الكلمة في الإنسان ، أي مجموع جسمه وروحه ، كما في الآية (٣٢) من سورة المائدة : (مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِى الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا).
واستعملت أحياناً في خصوص روح الإنسان كما في الآية (٩٣) من سورة الأنعام : (أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ).