(وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ (٧١) وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ (٧٢) وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ) (٧٣)
هجرة إبراهيم من أرض الوثنيين : لقد هزّت قصة حريق إبراهيم عليهالسلام ونجاته الإعجازية من هذه المرحلة الخطيرة أركان حكومة نمرود ، وأنّه لو بقي في تلك المدينة والبلاد على هذا الحال ، ومع ذلك اللسان المتكلم والمنطق القوي ، والشهامة والشجاعة التي لا نظير لها ، فمن المحتّم أنّه سيشكّل خطراً على تلك الحكومة الجبارة الغاشمة.
ومن جهة اخرى ، فإنّ إبراهيم كان قد أدّى رسالته وبذر بذور الإيمان والوعي في تلك البلاد ، فلابد من الهجرة إلى موطن آخر لإيجاد أرضية لرسالته هناك ، ولذلك صمّم على الهجرة إلى الشام بصحبة لوط ـ وكان ابن أخ إبراهيم ـ وزوجته سارة ، وربّما كان معهم جمع قليل من المؤمنين ، كما يقول القرآن الكريم : (وَنَجَّيْنهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِى برَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ).
وبالرغم من أنّ اسم هذه الأرض لم يرد صريحاً في القرآن ، إلّاأنّه بملاحظة الآية الاولى من سورة الإسراء يتّضح أنّ هذه الأرض هي أرض الشام ذاتها ، التي كانت من الناحية الظاهرية أرضاً غنيّة مباركة خضراء ، ومن الجهة المعنوية كانت معهداً لرعاية الأنبياء.
وأشارت الآية التالية إلى أحد أهمّ مواهب الله لإبراهيم ، وهي هبته الولد الصالح ، والنسل المفيد ، فقالت : (وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ).
وتشير الآية الأخيرة إلى مقام إمامة وقيادة هذا النبي الكبير ، وإلى جانب من صفات الأنبياء ومناهجهم المهمة القيّمة بصورة جماعية.
لقد عُدّت في هذه الآية ستّة أقسام من هذه الخصائص ، وإذا اضيف إليها وصفهم بكونهم صالحين ـ والذي يستفاد من الآية السابقة ـ فستصبح سبعة.
يقول أوّلاً : (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً). أي : إنّنا وهبناهم مقام الإمامة إضافةً إلى مقام النبوة والرسالة ، والإمامة هي آخر مراحل سير الإنسان التكاملي ، والتي تعني القيادة العامة.