أيوب ونجاته من المصاعب : تتحدث الآيتان عن نبي آخر من أنبياء الله العظماء وقصّته المُلهمة ، وهو «أيّوب» وهو عاشر نبي اشير إلى جانب من حياته في سورة الأنبياء.
إنّ لأيّوب قصّة حزينة ، وهي في نفس الوقت عظيمة سامية ، فقد كان صبره وتحمله عجيبين ، خاصةً أمام الحوادث المرّة ، بحيث إنّ صبر أيوب أصبح مضرباً للمثل منذ القدم.
غير أنّ هاتين الآيتين تشيران ـ بصورة خاصة ـ إلى مرحلة نجاته وإنتصاره على المصاعب ، وإستعادة ما فقده من المواهب ، فتقول : (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنّى مَسَّنِىَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ). «الضرّ» : تطلق على كل سوء وأذى يصيب روح الإنسان أو جسمه ، وكذلك لنقص عضو ، وذهاب مال ، وموت الأعزّة وإنهيار الشخصية وأمثال ذلك ، وكما سنقول فيما بعد ، فإنّ أيوب قد إبتلي بكثير من هذه المصائب.
وتقول الآية التالية : (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرّ وَءَاتَيْنهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ) ليعلم المسلمون أنّ المشاكل كلما زادت ، وكلما زادت الإبتلاءات ، وكلما زاد الأعداء من ضغوطهم وضاعفوا قواهم ، فإنّها جميعاً ترفع وتحلّ بنظرة ومنحة من لطف الله ، فلا تجبر الخسارة وحسب ، بل إنّ الله سبحانه يعطي الصابرين أكثر ممّا فقدوا جزاءً لصبرهم وثباتهم.
(وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ (٨٥) وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ) (٨٦)
إسماعيل وإدريس وذو الكفل عليهالسلام : تعقيباً على قصة أيوب عليهالسلام التربوية ، وصبره وثباته بوجه سيل الحوادث ، تشير الآيتان ـ محلّ البحث ـ إلى صبر ثلاثة من أنبياء الله الآخرين فتقول الاولى : (وَإِسْمعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَاالْكِفْلِ كُلٌّ مّنَ الصَّابِرِينَ).
ثم تبيّن الآية الاخرى موهبة إلهية لهؤلاء مقابل الصبر والثبات ، فتقول : (وَأَدْخَلْنهُمْ فِى رَحْمَتِنَا إِنَّهُم مِنَ الصَّالِحِينَ).
(وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (٨٧) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ) (٨٨)