نجاة يونس من السجن المرعب : تبيّن هاتان الآيتان جانباً من قصة النبي الكبير يونس عليهالسلام ، حيث تقول الاولى واذكر يونس إذ ترك قومه المشركين غاضباً عليهم : (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا). «النون» : تعني السمكة العظيمة. أو بتعبير آخر : تعني الحوت. وبناءً على هذا فإنّ «ذاالنون» معناه صاحب الحوت.
إنّه ذهب مغاضباً (فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ) (١). فقد كان يظنّ أنّه قد أدّى كل رسالته بين قومه العاصين ، ولم يترك حتى «الأولى» في هذا الشأن ، مع أنّ الأولى هو بقاؤه بينهم والصبر والتحمّل والتجلّد ، فلعلّهم ينتبهون من غفلتهم ويتّجهون إلى الله سبحانه.
وأخيراً ، ونتيجة تركه الأولى هذا ، ضيّقنا عليه فابتلعه الحوت (فَنَادَى فِى الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحنَكَ إِنّى كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ). فقد ظلمت نفسي ، وظلمت قومي ، فقد كان ينبغي أن أتقبّل وأتحمّل أكثر من هذه الشدائد والمصائب ، واواجه جميع أنواع التعذيب والآلام منهم فلعلّهم يهتدون.
وتقول الآية التالية : (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنهُ مِنَ الْغَمّ وَكَذلِكَ نُنجِى الْمُؤْمِنِينَ).
جملة (كَذلِكَ نُنجِى الْمُؤْمِنِينَ) العميقة المعنى توحي بأنّ ما أصاب يونس من البلاء والنجاة لم يكن حكماً خاصّاً ، بل حكم عام مع حفظ تسلسل الدرجات والمراتب.
إنّ كثيراً من الحوادث المؤلمة والإبتلاءات الشديدة والمصائب نتيجة لذنوبنا ومعاصينا ، فمتى ما تنبّه الإنسان إلى ثلاثة امور [التي إنتبه إليها يونس في مثل هذا الظرف] فإنّه سينجو حتماً :
١ ـ التوجّه إلى حقيقة التوحيد ، وأنّه لا معبود ولا سند إلّاالله.
٢ ـ تنزيه الله عن كل عيب ونقص وظلم وجور ، وتجنّب كل سوء ظنّ بذاته المقدّسة.
٣ ـ الإعتراف بذنبه وتقصيره.
في تفسير الدرّ المنثور عن سعد سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول : اسم الله الذي إذا دعي به أجاب ، وإذا سئل به أعطى دعوة يونس بن متّى. قلت يا رسول الله هي ليونس خاصة أم لجماعة المسلمين؟ قال : هي ليونس خاصة وللمؤمنين إذا دعوا بها ، ألم تسمع قول الله (وَكَذلِكَ نُنجِى الْمُؤْمِنِينَ) ، فهو شرط من الله لمن دعاه.
__________________
(١) «نقدر» : من مادّة قدر بمعنى التعسير والتضييق ، لأنّ الإنسان عند التضييق يأخذ من كل شيء قدراًمحدوداً ، لا على نطاق واسع وبدون حساب.