إتحادهم الفطري والتوحيدي ، فمُنوا ـ نتيجة ذلك ـ بكل تلك الهزائم والشقاوة.
وتضيف في النهاية : (كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ). فإنّ هذا الإختلاف عرضي يمكن إقتلاعه ، وسيسيرون في طريق الوحدة جميعاً في يوم القيامة.
وتبيّن الآية الأخيرة نتيجة الإنسجام مع الامّة الواحدة في طريق عبادة الله ، أو الإنحراف عنها وإتخاذ طريق التفرقة ، فتقول : (فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ). ومن أجل زيادة التأكيد قالت : (وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ).
إنّ هذه الآية ككثير من آيات القرآن الاخرى قد عدّت الإيمان شرطاً لقبول الأعمال الصالحة.
(وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (٩٥) حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ (٩٦) وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ) (٩٧)
الكافرون على أعتاب القيامة : كان الكلام في آخر الآيات السابقة عن المؤمنين العاملين للصالحات ، وتشير الآية الاولى من هذه الآيات إلى الأفراد في الطرف المقابل لُاولئك ، وهم الذين استمرّوا في الضلال والفساد إلى آخر نفس ، فتقول : (وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ).
إنّ هؤلاء اناس ترفع الحجب عن أعينهم وأنظارهم بعد مشاهدة العذاب الإلهي ، أو بعد فنائهم وإنتقالهم إلى عالم البرزخ ، وعندها يأملون أن يرجعوا إلى الدنيا ليصلحوا أخطاءهم ويعملون الصالحات ، إلّاأنّ القرآن يقول بصراحة : إنّ رجوع هؤلاء حرام تماماً ، ولم يبق طريق لجبران ما صدر منهم.
إنّ هؤلاء المغفلين في غرور وغفلة على الدوام ، وتستمرّ هذه التعاسة حتى نهاية العالم ، كما يقول القرآن : (حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُم مِّن كُلّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ).
فتقول مباشرةً : (وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِىَ شَاخِصَةٌ أَبْصرُ الَّذِينَ كَفَرُوا). لأنّ الرعب يسيطر على وجودهم إلى حدّ أنّ عيونهم تتوقف عن الحركة وتصبح جاحظة لدى نظرهم إلى تلك الحوادث.