ولهذا يعتبرون هذه الآية إشارة إلى خاتمية نبي الإسلام ، لأنّ وجوده رحمة وقدوة لكل الناس إلى نهاية الدنيا.
ولمّا كان أهمّ مظهر من مظاهر الرحمة ، وأثبت دعامة لذلك هي مسألة التوحيد وتجلياته ، فإنّ الآية التالية تقول : (قُلْ إِنَّمَا يُوحِى إِلَىَّ أَنَّمَا إِلهُكُمْ إِلهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ).
وهذه الآية في الواقع تشير إلى ثلاث نقاط مهمة :
الاولى : إنّ التوحيد هو الدعامة الأساسية للرحمة ، التوحيد في الإعتقاد ، وفي العمل ، والتوحيد في الكلمة ، وتوحيد الصفوف ، وفي القانون وفي كل شيء.
الثانية : إنّ كل دعوات الأنبياء تتلخص في أصل التوحيد ، والتوحيد كالروح السارية في البدن.
والنقطة الثالثة : إنّ المشكلة الأساسية في جميع المجتمعات هي التلوّث بالشرك بأشكال مختلفة ، لأنّ جملة (فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ) توحي بأنّ المشكلة الأساسية هي الخروج من الشرك ومظاهره ، ورفع اليد عن الأصنام وتحطيمها ، ليس الأصنام الحجرية والخشبية فحسب ، بل كل الأصنام ، وفي أيّ شكل كانت ، وخاصة طواغيت البشر.
ثم تقول الآية التالية : إنّهم إذا لم يذعنوا ويهتمّوا لدعواتنا ونداءاتنا هذه (فَإِن تَوَلَّوْا فَقُلْءَاذَنتُكُمْ عَلَى سَوَاءٍ). «آذنت» : من مادة الإيذان ، أي الإعلان المقترن بالتهديد ، والظاهر أنّ النبي أراد بهذا الكلام أن يعلن تنفّره وإبتعاده عن اولئك ، ويبيّن بأنّه قد يئس منهم تماماً.
ثم يبيّن هذا التهديد بصورة أوضح ، فيقول بأنّي لا أعلم هل أنّ موعد عذابكم قريب أم بعيد : (وَإِنْ أَدْرِى أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ مَّا تُوعَدُونَ). فلا تظنّوا أنّ هذا الوعيد بعيد ، فربّما كان قريباً وقريباً جدّاً.
قد يكون المراد من العذاب والعقوبة هنا عذاب القيامة ، أو عذاب الدنيا ، أو كليهما ، ففي الصورة الاولى هو مختص بعلم الله ، ولا يعلم أيّ أحد تاريخ وقوع القيامة بدقة حتى أنبياء الله ، وفي الصورة الثانية والثالثة يمكن أن يكون إشارة إلى جزئياته وزمانه ، وأنا لا أعلم بجزئياته.
ثم إنّكم لا ينبغي أن تتوهّموا أنّ عقوبتكم إذا تأخّرت فهذا يعني أنّ الله غير مطّلع على أعمالكم وأقوالكم ، فهو يعلم كل شيء ، ف (إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ). فإنّ الجهر والإخفاء له معنى بالنسبة لكم حيث إنّ علمكم محدود عادةً ، أمّا بالنسبة لمن لا حدود لعلمه ، فإنّ الغيب والشهادة ، والسرّ والعلن سواء لديه.