الدعوة العامة للحج : تناولت الآية السابقة قضيّة المسجد الحرام وحجّاج بيت الله ، أمّا هذه الآيات فتستعرض بناء الكعبة على يد إبراهيم الخليل عليهالسلام ، ووجوب الحج وفلسفته ، وبعض أحكام هذه العبادة الجليلة. إذ بدأت بقصة تجديد بناء الكعبة : (وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ). أي تذكّر كيف أعددنا لإبراهيم مكان الكعبة ليقوم ببنائها.
«بوّأ» : مشتقة من بواء ، أي الأرض المسطّحة ، ثم أطلقت على إعداد المكان مطلقاً.
وتقصد هذه الآية أنّ الله هدى إبراهيم عليهالسلام إلى مكان الكعبة بعد أن هدّمت بطوفان نوح وخفيت معالمها ، إذ حدثت عاصفة فأزالت التراب وكشفت عن اسس البيت ، أو بعث الله سحابة ظلّلت مكان البيت ، أو بأيّ اسلوب آخر كشف الله لإبراهيم عليهالسلام أسس الكعبة ، فقام هو وإبنه إسماعيل عليهماالسلام بتجديد بناء بيت الله الحرام.
وتضيف الآية الكريمة أنّه عندما تمّ بناء البيت خوطب إبراهيم عليهالسلام : (أَن لَّاتُشْرِكْ بِى شَيًا وَطَهّرْ بَيْتِىَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ).
فمهمّة إبراهيم عليهالسلام كانت تطهير البيت وما حوله من أيّ نجس ظاهر أو باطن ، ومن أيّ صنم أو مظهر للشرك ، من أجل أن يوجّه عباد الرحمن قلوبهم وأبصارهم إليه تعالى وحده في هذا المكان الطاهر ، وليقوموا بأهمّ العبادات في هذه البقعة المباركة ، ألا وهو الطواف والصلاة في محيط إيمانيّ لا يخالطه شرك.
وبعد إعداد البيت للعبادة ، أمر الله تعالى إبراهيم عليهالسلام : (وَأَذّن فِى النَّاسِ بِالْحَجّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلّ فَجّ عَمِيقٍ).
«أذّن» : مشتقة من «الأذان» أي «الإعلان» ؛ و «رجال» : جمع «راجل» أي «ماشي» ؛ و «الضامر» : تعني الحيوان الضعيف ؛ و «الفجّ» : في الأصل تعني المسافة بين جبلين ، ثم أطلقت على الطرق الواسعة ؛ و «العميق» : تعني هنا «البعيد».
في تفسير علي بن إبراهيم القمي : لمّا فرغ إبراهيم عليهالسلام من بناء البيت أمره الله أن يؤذن في الناس بالحج فقال : يا ربّ وما يبلغ صوتي. فقال الله : «أذن عليك الأذان وعلي البلاغ». وارتفع على المقام وهو يومئذ ملصق بالبيت فارتفع المقام حتى كان أطول من الجبال فنادى وأدخل اصبعيه في اذنيه وأقبل بوجهه شرقاً وغرباً يقول : أيّها الناس كتب عليكم الحج إلى البيت العتيق فأجيبوا ربّكم ، فأجابوه من تحت البحور السبعة ومن بين المشرق والمغرب إلى منقطع التراب من أطراف الأرض كلها ومن أصلاب الرجال وأرحام النساء بالتلبية : لبيك