الأوساخ والتلوّث ، ثم ليوفوا ما عليهم من نذور. (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ). أي يطوفوا بذلك البيت الذي صانه الله عن المصائب والكوارث وحرّره.
«تفث» : تعني القذارة وما يلتصق بالجسم وزوائده كالأظافر والشعر. بتعبير آخر : تشير هذه العبارة إلى برنامج «التقصير» الذي يعدّ من مناسك الحج.
إنّما سمّيت الكعبة بالبيت العتيق ، و «العتيق» : مشتقة من «العتق» ، أي التحرّر من قيود العبودية ، وربّما كان ذلك لأنّ الكعبة تحرّرت من قيود ملكية عباد الله ، ولم يكن لها مالك إلّا الله ، كما حرّرت من قيد سيطرة الجبابرة كأبرهة.
ومن معاني «العتيق» أيضاً الشيء الكريم الثمين ، وهذا المعنى يتجسّد في الكعبة بوضوح.
ومن المعاني الاخرى للعتيق «القديم» ، فلا مانع من إطلاق العتيق على بيت الله بعد ملاحظة ما تتضمّنه هذه الكلمة من معان.
والمراد من «الطواف» هنا طواف النساء ، ففي حديث عن الإمام الصادق عليهالسلام في قول الله عزوجل : (وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) قال : «طواف النساء» (١).
وأشارت الآية الأخيرة إلى خلاصة ما بحثته الآيات السالفة الذكر ، حيث تبدأ بكلمة (ذلِكَ) التي لها جملة محذوفة تقديرها «كذلك أمر الحج والمناسك». ثم تضيف تأكيداً لأهميّة الواجبات التي شرحت : (وَمَن يُعَظّمْ حُرُمتِ اللهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبّهِ).
والمقصود هنا ب «الحرمات» ـ طبعاً ـ أعمال ومناسك الحجّ ، ويمكن أن يضاف إليها إحترام الكعبة خاصة والحرم المكّي عامة.
ثم تشير هذه الآية وتناسباً مع أحكام الإحرام إلى حلّية المواشي ، حيث تقول : (وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعمُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ).
وفي ختام هذه الآية ورد أمران يخصّان مراسم الحج ومكافحة العادات الجاهلية :
الأوّل يقول : (فَاجْتَنِبُوا الرّجْسَ مِنَ الْأَوْثنِ). و «الأوثان» : جمع «وثن» على وزن «كفن» وتعني الأحجار التي كانت تُعبد زمن الجاهلية ، وهنا جاءت كلمة الأوثان إيضاحاً لكلمة «رجس» التي ذكرت في الآية ، حيث تقول : (اجْتَنِبُوا الرّجْسَ). ثم تليها عبارة (مِنَ الْأَوْثنِ). أي الرجس هو ذاته الأوثان.
__________________
(١) وسائل الشيعة ٩ / ٣٩٠.