الحج من المظاهر الجليّة لهذه العبادة التي أشرنا إلى فلسفتها من قبل.
ثم تضيف الآية : (لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ) فمن جهة تستفيدون من لحومها وتطعمون الآخرين ، ومن جهة اخرى تستفيدون من آثارها المعنوية بإيثاركم وسماحكم وعبادتكم الله ، وبهذا تتقرّبون إليه سبحانه وتعالى.
ثم تبيّن الآية كيفية ذبح الحيوان : (فَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ). أي : اذكروا اسم الله حين ذبح الحيوان وفي حالة وقوفه مع نظائره في صفوف.
وليس لذكر الله حين ذبح الحيوان أو نحر الناقة صيغة خاصة ، بل يكفي ذكر اسم من أسماء الله عليها ، كما يبدو من ظاهر الآية.
«صوافّ» : جمع «صافّة» بمعنى الحيوان الواقف في صفّ ، وكما ورد في الأحاديث فإنّ القصد من ذلك عقل رجلي الناقة الأماميّتين معاً حين وقوفها من أجل منعها من الحركة الواسعة حين النحر ، وطبيعي أنّ أرجل الناقة تضعف حين تنزف مقداراً من الدم ، فتتمدّد على الأرض ، ويقول القرآن المجيد هنا : (فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ). أي عندما تستقر ويهدأ جانبها (كناية عن لفظ الأنفاس الأخيرة) فكلوا منها وأطعموا الفقير القانع والسائل المعتر.
الفرق بين «القانع» و «المعتر» هو أنّ القانع يطلق على من يقنع بما يُعطى وتبدو عليه علائم الرضى والإرتياح ولا يعترض أو يغضب ، أمّا المعترّ فهو الفقير السائل الذي يطالبك بالمعونة ولا يقنع بما تعطيه ، بل يحتجّ أيضاً.
إنّ عبارة (كُلُوا مِنْهَا) توجب أن يأكل الحجّاج من أضاحيهم ، ولعلّها ترمي إلى مراعاة المساواة بين الحجّاج والفقراء.
وتنتهي الآية بالقول : (كَذلِكَ سَخَّرْنهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ). وإنّه لمن العجب أن يستسلم حيوان عظيم الجثّة هائل القوّة لطفل يعقل يديه معاً ثم ينحره.
تجيب الآية التالية عن هذه الأسئلة : (لَن يَنَالَ اللهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا). إنّ الله ليس بحاجة إلى لحوم الأضاحي ، فما هو بجسم ، ولا هو بحاجة إلى شيء ، وإنّما هو موجد كل وجود وموجود. إنّ الغاية من الاضحية كما تقول الآية : (وَلكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ). فالهدف هو أن يجتاز المسلمون مراحل التقوى ليبلغوا الكمال ويتقربوا إلى الله.