وأضافت الآية اللاحقة : (وَالَّذِينَ سَعَوْا فِىءَايَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولئِكَ أَصْحبُ الْجَحِيمِ) (١). أي إنّ الذين حاولوا تخريب الآيات الإلهية ومحوها ، وكانوا يعتقدون بأنّ لهم القدرة على مغالبة إرادة الله المطلقة ، فهم أصحاب الجحيم.
«جحيم» : من مادّة «جحم» بمعنى شدّة توقّد النار ، وتقال كذلك لشدّة الغضب ، فعلى هذا تطلق كلمة (الجحيم) على المكان المشتعل بالنيران ، وهي هنا تشير إلى نار الآخرة.
(وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آيَاتِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٥٢) لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (٥٣) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (٥٤)
وساوس الشياطين في مساعي الأنبياء : تناولت الآيات السابقة محاولات المشركين والكفرة لمحو التعاليم الإلهية والإستهزاء بها ، أمّا الآيات موضع البحث فقد تضمّنت تحذيراً مهمّاً حيث قالت : إنّ هذه المؤامرات ليست جديدة ، فالشياطين دأبوا منذ البداية على إلقاء وساوسهم ضدّ الأنبياء. في البداية تقول الآية : (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِىّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى) أمراً لصالح الدين والمجتمع وفكّر في خطّة لتطوير العمل (أَلْقَى الشَّيْطنُ فِى أُمْنِيَّتِهِ) إلّاأنّ الله لم يترك نبيّه وحده إزاء إلقاءات الشياطين (فَيَنسَخُ اللهُ مَا يُلْقِى الشَّيْطنُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُءَايتِهِ). إنّ هذا العمل يسير على الله تعالى ، لأنّه عليم بجميع هذه المؤامرات الدنيئة ، ويعرف كيف يحبطها (وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ).
إلّا أنّ المؤامرات الشيطانية التي كان يحيكها المشركون والكفرة ، كانت تشكّل ساحة لإمتحان المؤمنين والمتآمرين في آنٍ واحد ، إذ تضيف الآية : (لِّيَجْعَلَ مَا يُلْقِى الشَّيْطنُ فِتْنَةً
__________________
(١) «سعوا» : مشتقة من «السعي» وتعني في الأساس الهرولة ، وهنا المحاولة في تخريب الآيات الإلهيةومحوها.
«المعاجزون» : مشتقة من «العجز» وتعني هنا الذي يحاول الغلبة على قدرة الله غير المحدودة.