يوم يليه لينهض المرء للقيام بأعمال خيّرة تعوّض عمّا فاته وتؤثّر في مصيره.
ثم أشارت الآية التالية إلى السيادة المطلقة لربّ العالمين يوم القيامة : (الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ). وهذا أمر ملازم لله الحاكم الدائم والمالك المطلق ، وليس ليوم القيامة فقط.
ولكن كل هذا يزول وتتّضح حقيقة وحدانية المالك والحاكم يومئذ.
وبما أنّ الله هو المالك الحقيقي ، فهو إذن الحاكم الحقيقي ، وتعمّ حكومته على المؤمنين والكافرين على السواء ، ونتيجة ذلك كما يقول القرآن المجيد : (فَالَّذِينَءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِى جَنتِ النَّعِيمِ). الجنّات التي تتوفّر فيها جميع المواهب وكل الخيرات والبركات.
ويضيف القرآن الكريم : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بَايَاتِنَا فَأُولئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ). عذابٌ يذلّ الكفرة والذين كذّبوا بآيات الله ، اولئك الذين عاندوا الله واستكبروا على خلقه يهينهم الله.
وبما أنّ الآيات السابقة تناولت المهاجرين من الذين طردوا من ديارهم وسلبت أموالهم ، لأنّهم قالوا : ربّنا الله ، ودافعوا عن شريعته ، فقد اعتبرتهم الآية التالية مجموعة ممتازة جديرة بالرزق الحسن وقالت : (وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِى سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللهُ رِزْقًا حَسَنًا وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ).
في تفسير القرطبي : سبب نزول هذه الآية أنّه لمّا مات بالمدينة عثمان بن مظعون وأبو سلمة بن عبدالأسد ، قال بعض الناس : من قتل في سبيل الله أفضل ممّن مات حتف أنفه ، فنزلت هذه الآية مسويّة بينهم ، وأنّ الله يرزق جميعهم رزقاً حسناً. وظاهر الشريعة يدلّ على أنّ المقتول أفضل.
وعرضت الآية الأخيرة صورة من هذا الرزق الحسن : (لَيُدْخِلَنَّهُم مُّدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ). فإذا طردوا من منازلهم في هذه الدنيا ولاقوا الصعاب ، فإنّ الله يأويهم في منازل طيّبة في الآخرة ترضيهم من جميع الجهات.
وتنتهي هذه الآية بعبارة : (وَإِنَّ اللهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ). أجل ، إنّ الله عالم بما يقوم به عباده ، وهو في نفس الوقت حليم لا يستعجل في عقابهم ، من أجل تربية المؤمنين في ساحة الإمتحان هذه ، وليخرجوا منها وقد صلب عودهم وإزدادوا تقرّباً إلى الله.