(ذلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللهُ إِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (٦٠) ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (٦١) ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) (٦٢)
سبب النّزول
في تفسير مجمع البيان : إنّ الآية الاولى نزلت في قوم من مشركي مكة ، لقوا قوماً من المسلمين لليلتين بقيتا من المحرم ، فقالوا : إنّ أصحاب محمّد لا يقاتلون في هذا الشهر. فحملوا عليهم ، فناشدهم المسلمون أن لا يقاتلوهم في الشهر الحرام فأبوا ، فأظفر الله المسلمين بهم.
التّفسير
من هم المنتصرون؟ حدّثتنا الآيات السابقة عن المهاجرين في سبيل الله ، وما وعدهم الله من رزق حسن يوم القيامة. ومن أجل ألّا يتصور المرء أنّ الوعد الإلهي يختص بالآخرة فحسب ، تحدّثت الآية ـ موضع البحث ـ في مطلعها عن إنتصارهم في ظل الرحمة الإلهية في هذا العالم : (ذلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِىَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ اللهُ). إشارة إلى أنّ الدفاع عن النفس ومجابهة الظلم حق طبيعي لكل إنسان.
وبما أنّ الوعد بالنصر الذي يقوي القلب لابدّ وأن يصدر من مقتدر على ذلك. لهذا تستعرض الآية قدرة الله في عالم الوجود التي لا تنتهي ، فتقول : (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ يُولِجُ الَّيْلَ فِى النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِى الَّيْلِ). فما أن يقل من أحدهما حتى يزداد في الآخر وفق نظام مدروس.
«يولج» : مشتقة من «الإيلاج» وهو في الأصل من الولوج أي الدخول ، وهذه العبارة تشير إلى التغييرات التدريجية المنظّمة تنظيماً تامّاً ، كمسألة الليل والنهار ، فما يقلّ أحدهما إلّاليزداد الآخر على مدى فصول السنة.
وتنتهي الآية ب (وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ). أجل ، إنّ الله يلبّي حاجة المؤمنين ، ويطّلع على حالهم وأعمالهم ، ويعينهم برحمته عند اللزوم ، مثلما يطّلع على أعمال ومقاصد أعداء الحق.
وآخر آية من الآيات السالفة الذكر في الواقع دليل على ما مضى ، حيث تقول : (ذلِكَ بِأَنَ