إلّاأنّهم بخلاء يستغلّون الآخرين ويعملون لذاتهم فقط ، أمّا غنى الله سبحانه فهو مزيج من اللطف والسماح والجود والكرم ، لذا استحقّ الحمد والثناء من عباده.
وتشير الآية التالية إلى نموذج آخر من تسخير الله تعالى الوجود للإنسان (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِى الْأَرْضِ) وجعل تحت اختياركم جميع المواهب والإمكانات فيها لتستفيدوا منها بأيّ صورة تريدون ، وكذلك جعل السفن والبواخر التي تتحرّك وتمخر عباب البحار بأمره نحو مقاصدها. (وَالْفُلْكَ تَجْرِى فِى الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ). إضافةً إلى (وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَن تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ). وذلك من رحمة الله لعباده ولطفه بهم ، وهذا ما نلمسه في ختام الآية المباركة : (إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ).
وتتناول الآية الأخيرة أهمّ قضية في الوجود ، أي قضية الحياة والموت فتقول : (وَهُوَ الَّذِى أَحْيَاكُمْ). أي كنتم تراباً لا حياة فيه فألبسكم لباس الحياة (ثُمَّ يُمِيتُكُمْ) وبعد إنقضاء دورة حياتكم يميتكم (ثُمَّ يُحْيِيكُمْ). أي يمنحكم حياة جديدة يوم البعث.
وتبيّن الآية ميل الإنسان إلى نكران نِعم الله عليه قائلة : (إِنَّ الْإِنسنَ لَكَفُورٌ). فرغم كل ما أغدق الله على الإنسان من أنعم في الأرض والسماء ، في الجسم والروح ، لا يحمده ولا يشكره عليها ، بل يكفر بكلّ هذه النعم. ومع أنّه يرى كل الدلائل الواضحة والبراهين المؤكّدة لوجود الله تبارك وتعالى ، والشاهدة بفضله عليه وإحسانه إليه ينكر ذلك. فما أظلمه وأجهله.
(لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكاً هُمْ نَاسِكُوهُ فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ (٦٧) وَإِنْ جَادَلُوكَ فَقُلِ اللهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ (٦٨) اللهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (٦٩) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ) (٧٠)
لكل امّة عبادة : تناولت البحوث السابقة المشركين خاصة ، ومخالفي الإسلام عامة ، ممّن جادلوا فيما أشرق به الإسلام من مبادىء نسخت بعض تعاليم الأديان السابقة ، وكانوا يرون من ذلك ضعفاً في الشريعة الإسلامية ، وقوة في أديانهم ، في حين أنّ ذلك لا يشكّل ضعفاً إطلاقاً ، بل هو نقطة قوّة ومنهج لتكامل الأديان ولذا جاء الفصل الرباني جلّياً (لِّكُلّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ). «المناسك» : جمع «منسك» أي مطلق العبادات ، ومن