مرّة اخرى مع علائم التوحيد : تحدثت الآيات السابقة عن آيات الله العظيمة في وجودنا ، وتناولت هذه الآيات بعدها عالم الظاهر وآفاق الكون وعظمة خلق الأرض والسماوات ، حيث قالت الآية الاولى : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ).
فإنّ الآية تعني طبقات السماء السبع.
وربّما يتوهّم أنّ العالم بهذه السعة والعظمة ألا يوجب أن يغفل الله تعالى عن إدارته؟
فتجيب الآية مباشرةً : (وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غفِلِينَ).
وأشارت الآية التالية إلى أحد مظاهر القدرة الإلهية ، الذي يعتبر من بركات السماوات والأرض ، ألا وهو المطر ، حيث تقول : (وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ).
ثم أشارت الآية إلى قضيّة أكثر أهميّة ، هي قضية إحتياطي المياه الجوفية فتقول : (فَأَسْكَنهُ فِى الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقدِرُونَ).
نحن نعلم أنّ القشرة السطحية من الأرض تتكوّن من طبقتين مختلفتين :
إنّ الله الرحيم جعل القشرة الاولى من سطح الأرض نافذةً ، وتليها قشرة غير نافذة تحافظ على المياه الجوفية ، فتكون احتياطاً للبشر يستخرجها عند الحاجة عن طريق الآبار ، أو تخرج بذاتها عن طريق العيون ، دون أن تفسد أو توجّه للإنسان أقلّ أذى (١).
وتشير الآية التالية إلى الخير والبركة في نعمة المطر ، أي المحاصيل الزراعية الناتجة عنه فتقول : (فَأَنشَأْنَا لَكُم بِهِ جَنتٍ مّن نَّخِيلٍ وَأَعْنبٍ لَّكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ). فمضافاً إلى التمر والعنب اللذين يعتبران أهمّ المحاصيل الزراعية فانّ فيها أنواع اخرى من الفواكه كثيرة.
وممّا يلفت النظر من الآيات أعلاه أنّ منشأ حياة الإنسان في ماء النطفة ، ومنشأ حياة النبات من ماء المطر ، وفي الحقيقة ينبع هذان النموذجان للحياة من الماء.
ثم تشير الآية التالية إلى شجرة مباركة اخرى نمت من ماء المطر ، إضافةً إلى بساتين النخيل والكروم والأشجار والفاكهة الاخرى : (وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَاءَ تَنبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لّلْأَكِلِينَ) (٢).
إنّ جملة (طُورِ سَينَاءَ) إشارة إلى جبل الطور المعروف في صحراء سيناء أو ذات جانب
__________________
(١) ويجب ملاحظة أنّ الماء الملوّث يصفى عند مروره من القشرة النافذة في معظم الأوقات.
(٢) صبغ الآكلين : غذاء يؤكل مع الخبز.