المصير المؤلم لقوم ثمود : تحدّثت هذه الآيات عن أقوام آخرين جاؤوا بعد قوم نوح عليهالسلام. ومنطقهم يتناغم ومنطق الكفار السابقين ، كما شرحت مصيرهم الأليم ، فأكملت بذلك ما بحثته الآيات السابقة. فهي تقول أوّلاً : (ثُمَّ أَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْنًاءَاخَرِينَ).
«القرن» : مشتقّ من الإقتران ، بمعنى القرب ، لهذا يطلق على الجماعة التي تعيش في عصر واحد ، وقياس زمن القرن بثلاثين أو مائة سنة يتّبع ما تعارفته الأقوام المختلفة.
وبما أنّ البشر لا يمكن أن يعيشوا دون قائد ربّاني ، فقد بعث الله أنبياءه يدعون إلى توحيده ويقيمون عدالته بين الناس ، حيث تقول الآية التالية : (فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ أَنِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُم مّنْ إِلهٍ غَيْرُهُ).
وهذه هي الركيزة الأساسية لدعوة الأنبياء ، إنّها نداء التوحيد ، اسّ جميع الإصلاحات الفردية والاجتماعية ، وبعدها أكّد رسول الله لهم القول : إنّكم وبعد هذه الدعوة الصريحة ألا تتركون الشرك وعبادة الأوثان : (أَفَلَا تَتَّقُونَ).
إنّهم قوم ثمود الذين عاشوا شمال الحجاز ، وبعث الله النبي «صالح عليهالسلام» لهدايتهم ، إلّاأنّهم كفروا وطغوا فأهلكهم الله بالصيحة السماوية (الصاعقة القاتلة).
ولننظر الآن ماذا كان ردّ فعل هؤلاء القوم المعاندين إزاء التوحيد الذي أعلنه هذا النبي الكبير؟ يقول القرآن في الآية التالية : (وقَالَ الْمَلَأُ مِن قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الْأَخِرَةِ وَأَتْرَفْنهُمْ فِى الْحَيَوةِ الدُّنْيَا مَا هذَا إِلَّا بَشَرٌ مّثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ).
أجل إنّ القوم بما كانوا يرون في دعوة نبي الله خلافاً لأهوائهم ومنافسةً لمصالحهم العدوانية فجادلوا نبيّهم بنفس منطق المعاندين من قوم نوح.
ثم قال بعضهم للبعض الآخر : (وَلَئِنْ أَطَعْتُم بَشَرًا مّثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَّخسِرُونَ).
ومن ثم أنكروا المعاد ، الذي كان دوماً سدّاً منيعاً لاتّباع الشهوات وأرباب اللذات ، وقالوا : (أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنتُمْ تُرَابًا وَعِظمًا أَنَّكُم مُّخْرَجُونَ). لتعيشون حياة جديدة (هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ). فقد تساءل الكفار : هل يمكن البعث والناس قد أصبحوا تراباً وتبعثرت ذرّاتهم هنا وهناك؟ إنّ ذلك مستحيل.
وبهذا الكلام ازدادوا إصراراً على إنكار المعاد قائلين : إنّنا نشاهد باستمرار موت مجموعة وولادة مجموعة اخرى لتحلّ محلّهم ، ولا حياة بعد الموت : (إِنْ هِىَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا