نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ).
وأخيراً لخّصوا التّهم التي وجّهوها إلى نبيّهم فقالوا : (إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِبًا وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ).
وعندما طغى عناد الكفار ، تجاسروا على الله ، وأنكروا رسالته إليهم ، وأنكروا معاجز أنبيائه بكل صلافة ، وقد أتمّ الله حجّته عليهم ، عندها توجّه هذا النبي الكبير إلى الله سبحانه وتعالى و (قَالَ رَبّ انصُرْنِى بِمَا كَذَّبُونِ). ربّاه : انصرني فقد هتكوا الحرمات ، واتّهموني بما شاؤوا وكذّبوا دعوتي.
فأجابه الله عزوجل كما ذكرت الآية : (قَالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَّيُصْبِحُنَّ ندِمِينَ). ألا إنّهم سيندمون يوم لا ينفع الندم.
وهكذا جرى (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقّ) حيث نزلت عليهم صاعقة الموت برعبها الهائل ودمارها الماحق ، وقلبت مساكنهم ونثرتها حطاماً ، وكانت سريعة خاطفة إلى درجة لم تسمح لهم بالفرار ، فدفنوا في منازلهم كما بيّنت الآية الكريمة : (فَجَعَلْنهُمْ غُثَاءً). أي : جعلناهم كهشيم النبات يحمله السيل (فَبُعْدًا لّلْقَوْمِ الظلِمِينَ).
والغثاء ، يعني النباتات الجافّة المتراكمة والطافية على مياه السيول ، كما يطلق الغثاء على الزبد المتراكم على ماء القدر حين الغليان ، وتشبيه الأجسام الميتة بالغثاء دليل على منتهى ضعفها وإنكسارها وتفاهتها.
وهذا إستنتاج نهائي من كل هذه الآيات ، فما قيل بصدد إنكار وتكذيب الآيات الإلهية والمعاد والعاقبة المؤلمة والنهاية السيئة لا تختص بجماعة معينة ، بل تشمل جميع الظلمة عبر التاريخ.
(ثُمَّ أَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قُرُوناً آخَرِينَ (٤٢) مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ (٤٣) ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى كُلَّمَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضاً وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْداً لِقَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ) (٤٤)
هلاك الأقوام المعاندين الواحد بعد الآخر : بعد أن تحدّث القرآن عن قصة قوم نوح ، أشار إلى أقوام اخرى جاءت بعدهم ، وقبل النبي موسى عليهالسلام حيث يقول : (ثُمَّ أَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قُرُونًاءَاخَرِينَ). لأنّ هذا أمر الله وسنّته في خلقه ، فالفيض الإلهي لا ينقطع عن