عباده فلو سعى جماعة للوقوف في وجه مسيرة التكامل الإنساني للبشرية لمحقهم ودفع هذه المسيرة إلى أمام.
ولهذه الأقوام تأريخ معين وأجل محدود : (مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتْخِرُونَ). فلو صدر الأمر الحتمي بنهاية حياتهم فسيهلكوا فوراً ، دون تأخير لحظة أو تقديم لحظة.
«الأجل» : بمعنى العمر ومدّة الشيء ، فالأجل المحتّم انتهاء عمر الإنسان أو عمر قوم ما ، ولا تغيير فيه. إنّ الآية السابقة تشير إلى «الأجل المحتّم».
وتكشف الآية التالية حقيقة استمرار بعث الأنبياء عبر التاريخ بالدعوة إلى الله حيث تقول : (ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا). «تترا» : مشتقة من «الوتر» بمعنى التعاقب ، و «تواتر الأخبار» تعني وصولها الواحد بعد الآخر ، ومن مجموعها يتيقّن الإنسان بصدقها.
إنّ معلّمي السماء ، كانوا يتعاقبون في إرشاد الناس ، إلّاأنّ الأقوام المعاندة كانوا يواصلون الكفر والإنكار ، فإنّه : (كُلَّمَا جَاءَ أُمَّةً رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُ).
وعندما تجاوز هذا الكفر والتكذيب حدّه وتمّت الحجة عليهم. (فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُم بَعْضًا). أي : أهلكنا الامم المعاندة الواحدة بعد الاخرى ومحوناهم من الوجود.
وقد تمّ محوهم بحيث لم يبق منهم سوى أخبارهم يتداولها الناس (وَجَعَلْنهُمْ أَحَادِيثَ). إشارة إلى أنّ كل امّة تتعرض للهلاك ، ويبقى منهم بعض الأفراد والآثار هنا وهناك ، وأحياناً لا يبقى منهم أيّ أثر. وهذه الامم المعاندة والطاغية كانت ضمن المجموعة الثانية.
وتقول الآية في الختام ، كما ذكرت الآيات السابقة : (فَبُعْدًا لّقَوْمٍ لَّايُؤْمِنُونَ).
وهؤلاء لم يكونوا بعيدين عن رحمة الله في هذه الدنيا فحسب ، بل بعيدون عن هذه الرحمة في الآخرة أيضاً ، لأنّ تعبير الآية جاء عامّاً يشمل الجميع.
(ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (٤٥) إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْماً عَالِينَ (٤٦) فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ (٤٧) فَكَذَّبُوهُمَا فَكَانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ (٤٨) وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ) (٤٩)
قيام موسى وهلاك الفراعنة : كان الحديث حتى الآن عن أقوام بعث الله لهم رسلاً قبل