وتعني هنا المكان المرتفع ؛ و «المعين» : مشتق من «المعن» بمعنى جريان الماء.
إنّ هذا المكان الآمن هو مولد السيد المسيح عليهالسلام في صحراء القدس ، وقد جعله الله أمناً لهذه الام والوليد ، وفجّر لهما ماء معيناً ورزقهم من النخل الجاف رطباً جليّاً.
فقد كانت الآية دليلاً على حماية الله تعالى الدائمة لرسله ولمن يدافع عنهم.
(يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (٥١) وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ (٥٢) فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (٥٣) فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ) (٥٤)
جميع الامة يد واحدة : تحدثت الآيات السابقة عن ماضي الأنبياء واممهم ، أمّا هذه الآيات فخاطبت الجميع فقالت : (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيّبتِ وَاعْمَلُوا صلِحًا إِنّى بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ).
بيّنت هذه الآية ثلاثة مؤثّرات في العمل الصالح :
الأوّل : طيب الغذاء الذي يورث صفاء القلب ونقاوته.
والثاني : شكر الله تعالى على ما أنعم به من رحمته.
الثالث : الشعور اليقظ بمراقبة الله سبحانه للأعمال كلها.
ثم دعت الآية جميع الأنبياء وأتباعهم إلى توحيد الله والتزام تقواه : (وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً). فالإختلافات الموجودة بينكم ، وكذلك بين أنبيائكم ليست دليلاً على التعدّدية إطلاقاً. (وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ). فنحن بين يدي دعوة واعية إلى وحدة الجماعة والقضاء على ما يثير التفرقة ، ليعيش الناس امّة واحدة ، كما أنّ الله ربّهم واحد أحد.
ولهذا يجب أن ينتهج الناس ما نهجه الأنبياء عليهمالسلام إذ دعوا إلى اتّباع تعاليم موحدة ، ذات أساس واحد في كل مكان.
وقد حذّرت الآية التالية البشر من الفُرقة والاختلاف ، بعد أن تمّت في الآية السابقة دعوتهم إلى التمسك بالوحدة ، فقالت : (فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ زُبُرًا). وممّا يثير الدهشة أنّ (كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ).
«الزبر» : جمع «زبرة» تعني بعض شعر الحيوان خلف رأسه ، يجمعه الراعي ليفصله عن