ومقدار عمركم ليس باختياركم أيضاً ، فمنكم مَن يموت في شبابه أو في كهولته (وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ) (١).
ونتيجة هذا العمر الموغل في سني الحياة (لِكَىْ لَايَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيًا).
فيكون كما كان في مرحلة الطفولة من الغفلة والنسيان وعدم الفهم ... نعم ف (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ). فكل القدرات بيده جلّ وعلا ، وعطاؤه بما يوافق الحكمة والمصلحة ، وكذا أخذه لا يكون إلّاعندما يلزم ذلك.
ويواصل القرآن الكريم استدلاله في الآية التالية من خلال بيان أنّ مسألة الرزق ليست بيد الإنسان وإنّما ... (وَاللهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِى الرّزْقِ). فاصحاب الثروة والطول غير مستعدين لإعطاء عبيدهم منها ومشاركتهم فيها خوفاً أن يكونوا معهم على قدم المساواة : (فَمَا الَّذِينَ فُضّلُوا بِرَادّى رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ).
والذي نستفيده من الآية المبحوثة أنّ الإسلام يوصي بمراعاة المساواة كبرنامج أخلاقي بين أفراد العائلة الواحدة ومن يكون تحت التكفّل قدر الإمكان ، وأن لا يجعلوا لأنفسهم فضلاً عليهم.
فالتفاوت بين دخل الأفراد ينبع من التفاوت بالإستعدادات ، وهو من المواهب والنعم الإلهية أيضاً ، وإن أمكن أن يكون بعض ذلك اكتسابياً ، فالبعض الآخر غير اكتسابي قطعاً. فإذن وجود التفاوت في الأرزاق أمر غير قابل للإنكار من الناحية الاقتصادية ، ويتمّ ذلك حتى داخل المجتمعات السليمة ، إلّاأنّ أساس النجاح يكمن في السعي والمثابرة والجد ، وينبغي أن لا يكون وجود التفاوت والاختلاف في الإستعدادات وفي الدخل اليومي للأفراد دافعاً لسوء الاستفادة وذلك بتشكيل مجتمع طبقي.
ولهذا يقول القرآن الكريم في ذيل الآية مورد البحث : (أَفَبِنِعْمَةِ اللهِ يَجْحَدُونَ).
وذلك إشارة إلى أنّ هذه الاختلافات في حالتها الطبيعية (وليست الظالمة المصطنعة) إنّما هي من النعم الإلهية التي أوجدها لحفظ النظام الاجتماعي البشري.
وتبدأ الآية الأخيرة من الآيات مورد البحث بلفظ الجلالة «الله» كما كان في الآيتين السابقتين ، ولتتحدث عن النعم الإلهية في إيجاد القوى البشرية ، ولتتحدث عن الأرزاق الطيبة أيضاً تكميلاً للحلقات الثلاثة من النعم المذكورة في آخر ثلاث آيات ، حيث استهلّت
__________________
(١) «أرذل» : من «رذل» بمعنى الحقارة وعدم المرغوبية ؛ والمقصود من «أرذل العمر» : السنين المتقدمة جدّاً من عمر الإنسان حيث الضعف والنسيان ، ولا يستطيع تأمين احتياجاته الأولية ، ولهذا سماها القرآن بأرذل العمر.