إنّ القرآن طمأن وهدّأ روع المؤمنين الذين آلمهم توجيه هذه التهمة إلى شخصية متطهرة : (لَاتَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ) ، لأنّه كشف عن حقيقة عدد من الأعداء المهزومين أو المنافقين الجبناء.
ولو لم تكن هذه الحادثة ، لما افتضح أمرهم بهذا الشكل ، ولكانوا أكثر خطراً على المسلمين.
إنّ هذا الحادث علّم المسلمين أنّ اتّباع الذين يروّجون الشائعات يجرّهم إلى الشقاء ، وأنّ عليهم أن يقفوا بقوّة أمام هذا العمل.
ثم تعقب هذه الآية بذكر مسألتين :
أوليهما : (لِكُلّ امْرِىٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ). إشارة إلى أنّ المسؤولية الكبرى التي تقع على عاتق كبار المذنبين لا تحول دون تحمل الآخرين لجزء من هذه المسؤولية ، ولهذا يتحمل كل شخص مسؤوليته إزاء أية مؤامرة.
والمسألة الثانية : (وَالَّذِى تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ).
وقائد هذه المجموعة سيعاقب عقاباً عظيماً لكبر ذنبه.
ثم توجّهت الآية التالية إلى المؤمنين الذين انخدعوا بهذا الحديث فوقعوا تحت تأثير الشائعات ، فلامتهم بشدّة : (لَّوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا). أي : لماذا لم تقفوا في وجه المنافقين بقوة ، بل استمعتم إلى أقوالهم التي مسّت مؤمنين آخرين كانوا بمنزلة أنفسكم منكم. ولماذا لم تدفعوا هذه التهمة وتقولوا بأنّ هذا الكلام كذب وافتراء : (وَقَالُوا هذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ).
أنّكم كنتم تعرفون جيداً الماضي القبيح لهذه المجموعة من المنافقين.
ثم تهتم الآيات بالجانب القضائي للمسألة فتقول : (لَّوْلَا جَاءُو عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ). أي لماذا لم تطلبوا منهم الإتيان بأربعة شهود. (فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولئِكَ عِندَ اللهِ هُمُ الْكذِبُونَ).
إنّ هذه الملامة تبيّن أنّ الحكم بأداء أربعة أشخاص لشهادتهم ، وكذلك حدّ القذف في حالة عدمه قد نزل قبل الآيات التي تناولت حديث الإفك.
وأخيراً جمعت الآية التالية هذه الملامات ، فقالت : (وَلَوْلَا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِى الدُّنْيَا وَالْأَخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِى مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ).