على الرغم من عدم متابعة هذه الآيات حديث الإفك بصراحة ، إلّاأنّها تعتبر مكملة لمضمون ذلك البحث ، وتحذّر المؤمنين جميعاً من تأثير الأفكار الشيطانية فعلى هذا حينما يشعر الفرد بأوّل وسوسة شيطانية بإشاعة الفحشاء أو إرتكاب أي ذنب آخر فيجب التصدي له بقوة حاسمة ، حتى يمنع من انتشاره وتوسّعه.
وتخاطب الآية الاولى المؤمنين ، فتقول : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا لَاتَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطنِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطنِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ).
وحيث لا يمكن جرّ أي إنسان مؤمن متطهر مرّة واحدة إلى الفساد ، فإنّ ذلك يتمّ خطوة بعد اخرى في طريق الفساد.
وأخيراً الإبتلاء بالكبائر ، وهذه معني جملة (خُطُوَاتِ الشَّيْطنِ).
ثم تشير الآية إلى أهم النعم الكبيرة التي منّ الله بها على الإنسان في هدايته فتقول : (وَلَوْلَا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلكِنَّ اللهَ يُزَكّى مَن يَشَاءُ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).
ولا شك في أنّ الفضل والرحمة الإلهية ينقذان الإنسان من الإنحطاط والانحراف من الذنوب جميعاً ، فالله منحه العقل ، ولطف به فأرسل إليه الرسل ، ويسّر له سبل الإرتقاء والإهتداء ، وأعانه على استكمال الخير ، وإضافة إلى هذه المواهب شمل الله الذين تطهروا بتوفيقاته الخاصّة ، وإمداداته التي يستحقونها ، والتي تعتبر أهم عنصر في تطهير وتزكية النفس.
وذكر عدد من المفسرين ـ ومنهم الطبرسي في المجمع ـ سبباً لنزول الآية الثانية ـ من الآيات موضع البحث ـ يكشف عن تلاحمها مع الآيات السابقة ، قال : نزلت في جماعة من الصحابة أقسموا على أن لا يتصدقوا على رجل تكلّم بشيء من الإفك ولا يواسوهم. فنزلت هذه الآية لتمنعهم من ردّ فعل قاس ، وأمرتهم بالعفو والسماح.
نعود الآن إلى تفسير الآية بملاحظة سبب النزول هذا. يقول القرآن : (وَلَا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُولِى الْقُرْبَى وَالْمَسكِينَ وَالْمُهجِرِينَ فِى سَبِيلِ اللهِ).
إنّ هذا التعبير يكشف أنّ عدداً ممن تورّط في قضية الإفك كانوا من المهاجرين في سبيل الله إذ خدعهم المنافقون ، ولم يجز الله طردهم من المجتمع الإسلامي لماضيهم المجيد ، كما لم يسمح بعقابهم أكثر مما يستحقونه.