«يأتل» : مشتقة من «أليّة» أي اليمين.
ثم تضيف الآية : (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا). لتشجيع المسلمين وترغيبهم في العفو والصفح بقولها : (أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ). فإنّكم مثلما تأملون من الله العفو عنكم وأن يغفر خطاياكم ، يجب عليكم العفو والصفح عن الآخرين : (وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ).
وترسم هذه الآيات صورة للتعادل الإسلامي في جذبه ودفعه ، وتشكل آيات الإفك والعقوبات الشديدة التي تفرض على الذين يتهمون الآخرين في شرفهم «قوة الدفع». وأمّا الآية موضع البحث التي تتحدث عن العفو والصفح وكون الله غفوراً رحيماً. فإنّها تكشف عن «قوة الجذب».
ثم تعود الآية إلى قضية القذف واتّهام النساء العفيفات المؤمنات في شرفهن ، فتقول بشكل حازم : (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنتِ الْغفِلتِ الْمُؤْمِنتِ لُعِنُوا فِى الدُّنْيَا وَالْأَخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ).
في تفسير الميزان : هذه الآية أخذ الصفات الثلاث الإحصان والغفلة والإيمان للدلالة على عظم المعصية فإنّ كلاً من الإحصان بمعنى العفة والغفلة والإيمان سبب تام في كون الرمي ظلماً والرامي ظالماً والمرمية مظلومة فإذا اجتمعت كان الظلم أعظم ثم أعظم ، وجزاؤه اللعن في الدنيا والآخرة والعذاب العظيم (١).
والمراد من «الغافلات» أنّهن لا يعلمن بما ينسب إليهنّ من بهتان في الخارج ، ولهذا لسن في صدد الدفاع عن أنفسهن ، وفي النتيجة فإنّ الآية تطرح موضوعاً جديداً للبحث ، لأنّ الآيات السابقة تحدثت عن مثيري التهم الذين يمكن التعرف عليهم ومعاقبتهم. إلّاأنّ الحديث هنا يدور حول مثيري الشايعات الذين أخفوا أنفسهم عن العقاب والحد الشرعي ، فتقول الآية : إنّ الله تعالى سيبعدهم عن رحمته في هذه الدنيا ، كما ينتظرهم العذاب العظيم في الآخرة.
وتحدد الآية التالية وضع الذين يتهمون الناس بالباطل في ساحة العدل الإلهي ، قائلة : (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).
تدور ألسنتهم بما لا تشتهي أنفسهم لتستعرض الحقائق.
__________________
(١) الميزان في تفسير القرآن ١٥ / ٩٤.