(بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً (١١) إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً (١٢) وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُوراً (١٣) لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً وَاحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً (١٤) قُلْ أَذلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَمَصِيراً (١٥) لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْداً مَسْئُولاً) (١٦)
في هذه الآيات ـ على أثر البحث في الآيات السابقة حول انحراف الكفار في مسألة التوحيد والنبوة ـ يتناول القرآن الكريم قسماً آخر من انحرافاتهم في مسألة المعاد ، ويتّضح مع بيان هذا القسم أنّهم كانوا أسارى التزلزل والانحراف في تمام أصول الدين. يقول تعالى أوّلاً : (بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ).
ذلك أنّه إذا آمن الإنسان بهكذا محكمة عظمى وبالجزاء الإلهي ، فلن يتلقى الحقائق بمثل هذا الإستهزاء واللامبالاة ، ولن يتذرع بالحجج الواهية ضد دعوة النبي وبراهينه الظاهرة ، لكن القرآن هنا لم يتقدم برد استدلالي ، ذلك لأنّ هذه الفئة لم تكن من أهل الاستدلال والمنطق ، بل واجههم بتهديد مخيف وجسد أمام أعينهم مستقبلهم المشؤوم والأليم ، فهذا الاسلوب قد يكون أقوى تأثيراً لمثل هؤلاء الأفراد يقول أوّلاً : (وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا) (١).
ثم وصف هذه النار المحرقة وصفاً عجيباً ، فيقول تعالى : (إِذَا رَأَتْهُم مّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا).
في هذه الآية تعبيرات بليغة متعددة ، تخبر عن شدّة هذا العذاب الإلهي ويدل على أنّ نار جهنم المحرقة تنتظر هذه الفئة من المجرمين كانتظار الحيوان المفترس الجائع لغذائه «نستجير بالله».
هذه حال جهنم حينما تراهم من بعيد ، أمّا حالهم في نار جهنم فيصفها تعالى : (وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيّقًا مُّقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا).
لأنّ جهنم مكان واسع ، لكن اولئك يُحصرون مكاناً ضيقاً في هذا المكان الواسع ، فهم «يستكرهون في النار كما يستكره الوتد في الحائط».
__________________
(١) «سعير» : من «سَعْر» بمعنى التهاب النار ، وعلى هذا يقال للسعير : النار المشتعلة والمحيطة والمحرقة.