الآية التي بعدها تجسد مصير أعمال هؤلاء المجرمين في الآخرة ، فتقول : (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنهُ هَبَاءً مَّنثُورًا). يعني أنّ أعمال اولئك لا قيمة لها ولا اثر إلى حدّ كأنّهم لم يعملوا شيئاً ، لأنّ الشيء الذي يعطي عمل الإنسان الشكل والمحتوى ، هو النية وغاية العمل النهائية ، فأهل الإيمان يتوجهون لإنجاز أعمالهم بدافع إلهي وعلى أساس أهداف مقدسة طاهرة ، في حين أنّ من لا إيمان لهم ، فغالباً يقعون أسارى التظاهر والرياء والغرور والعجب ، فيكون سبباً في انعدام أية قيمة لأعمالهم.
وبما أنّ القرآن ـ عادة ـ يضع الحسن والسيء متقابلين حتى يتّضح وضع كل منهما بالمقايسة فإنّ الآية التي بعدها تتحدث عن أهل الجنة فتقول : (أَصْحبُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً). «مستقر» : بمعنى محل الإستقرار ؛ و «مقيل» : بمعنى محل الإستراحة في منتصف النهار ، من مادة «قيلولة» ، وقد جاءت بمعنى النوم منتصف النهار.
(وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلاً (٢٥) الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمنِ وَكَانَ يَوْماً عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيراً) (٢٦)
تشقق السماء بالغمام : مرّة اخرى يواصل القرآن في هذه الآيات البحث حول القيامة ، ومصير المجرمين في ذلك اليوم ، فيقول أوّلاً : إنّ يوم محنة وحزن المجرمين هو ذلك اليوم الذي تنشق فيه السماء بواسطة الغيوم : (وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَممِ وَنُزّلَ الْمَلِكَةُ تَنزِيلاً).
«الغمام» : من «الغم» بمعنى ستر الشيء ، لذلك فالغيم الذي يغطي الشمس يقال له «الغمام» ، وكذلك الحزن الذي يغطي القلب يسمّونه «الغم».
هذه الآية ردّ على طلبات المشركين ، وعلى إحدى ذرائعهم ، لأنّهم كانوا يتوقعون أن يأتي الله والملائكة طبقاً لأساطيرهم وخرافاتهم من خلال الغيم ، فيدعونهم إلى الحق ، وفي أساطير اليهود جاء ـ أيضاً ـ أنّ الله أحياناً يظهر ما بين الغيوم.
والمقصود من تشقق السماء بالغمام ، هو أن ترتفع حجب العالم المادي عن عين الإنسان من جهة ، فيشاهد عالم ماوراء الطبيعة ، ومن جهة اخرى ستتلاشى الأجرام السماوية ، وتظهر الغيوم الانفجارية ، فتبرز التشققات ما بينها في ذلك اليوم ، يوم نهاية هذا العالم وبداية النشور ، يوم أليم جدّاً للمجرمين الظالمين المعاندين الذين لا إيمان لهم.
بعد ذلك يتناول القرآن الكريم أوضح علائم ذلك اليوم فيقول : (الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمنِ).