أوّلاً : (أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبّكَ كَيْفَ مَدَّ الظّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا).
هذا الظل الممتد والمنتشر هو ذلك الظل المنتشر على الأرض بعد طلوع الفجر وقبل طلوع الشمس ، وأهنأ الظلال والساعات هي تلك ؛ لأنّه تعالى يقول على أثر ذلك : (ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً). إشارة إلى أنّ مفهوم الظل لم يكن ليتّضح لو لم تكن الشمس.
بعد ذلك يبيّن تعالى : ثم إنّنا نجمعه جمعاً ويئداً ، (ثُمَّ قَبَضْنهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا).
من المعلوم أنّ الشمس حينما تطلع فإنّ الظلال تزول تدريجياً ، حتى يحين وقت الظهر حيث ينعدم الظل تماماً في بعض المناطق ، وفي مناطق اخرى يصل إلى أقل من طول الشاخص ، ولهذا فالظل لا يظهر ولا يختفي دفعةً واحدةً ، وهذا نفسه حكمة الخالق ، ذلك لأنّ الإنتقال من النور إلى الظلمة بشكل فجائي يكون ضاراً بجميع المخلوقات.
بعد ذكر نعمة الظلال ، تناول القرآن الكريم بالشرح نعمتين اخريين متناسبتين معها تناسباً تاماً ، فيكشف جانباً آخر من أسرار نظام الوجود الدالة على وجود الله ، يقول تعالى : (وَهُوَ الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ الَّيلَ لِبَاسًا).
هذا الحجاب الظلامي الذي لا يستر الناس فقط ، بل كل الموجودات على الأرض ويحفظها كاللباس ، ويلتحفه الإنسان كالغطاء الذي يستفيد منه أثناء النوم ، أو لإيجاد الظلام.
ثم يشير تعالى إلى نعمة النوم : (وَالنَّوْمَ سُبَاتًا).
«السبات» : في اللغة من «سبت» بمعنى القطع ، ثم جاء بمعنى تعطيل العمل للإستراحة.
هذا التعبير إشارة إلى تعطيل جميع الفعاليات الجسمانية أثناء النوم.
النوم في وقته وبحسب الحاجة إليه ، مجدد لجميع طاقات البدن ، وباعث للنشاط والقوة ، وأفضل وسيلة لهدوء الأعصاب.
وفي ختام الآية أشار تعالى إلى نعمة «النهار» فقال تعالى : (وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا).
«النشور» : في الأصل من النشر بمعنى البسط ، في مقابل الطي وربّما كان هذا التعبير إشارة إلى انتشار الروح في أنحاء البدن ، حين اليقظة التي تشبه الحياة بعد الموت ، أو إشارة إلى انتشار الناس في ساحة المجتمع ، والحركة للمعاش على وجه الأرض.
فضياء النهار من حيث روح وجسم الإنسان باعث على الحركة حقّاً ، كما أنّ الظلام باعث على النوم والهدوء.