«مرج» : من مادة «المرج» (على وزن فلج) بمعنى الخلط أو الإرسال ، وهنا بمعنى المجاورة بين الماء العذب والمالح.
«عذب» : بمعنى سائغ وطيب وبارد ، و «فرات» بمعنى لذيذ وهنيء.
«ملح» : بمعنى مالح ، و «أجاج» بمعنى مُرّ وحار.
«برزخ» : بمعنى حجاب وحائل بين شيئين.
فهذه الآية تصور واحداً من المظاهر المدهشة لقدرة الخالق في عالم مخلوقاته ، وكيف يستقر حجاب غير مرئي ، وحائل خفي بين البحر المالح والبحر العذب ، فلا يسمح لهما بالاختلاط.
وقد اتّضح اليوم أنّ هذا الحجاب اللامرئي ، هو ذلك «التفاوت بين كثافة المالح والعذب» وفي الإصطلاح «تفاوت الوزن النوعي» لهما ، حيث يكون سبباً في عدم امتزاجهما إلى مدة طويلة.
إنّ جعل هذه الآية وسط آيات تتعلق ب «الكفر» و «الإيمان» ربّما تكون أيضاً إشارة وتمثيلاً لهذا الأمر ، ففي المجتمع الواحد أحياناً ، وفي المدينة الواحدة ، بل حتى في البيت الواحد أحياناً ، يتواجد أفراد مؤمنون كالماء العذب والفرات ، مع أفراد بلا إيمان كالماء المالح الأجاج ... مع طرازين من الفكر ، ونوعين من العقيدة ، ونمطين من العمل ، طاهر وغير طاهر ، دون أن يمتزجا.
في الآية التالية ـ بمناسبة البحث في نزول المطر ، وفي البحرين العذب والأجاج المتجاورين ـ يتحدث القرآن الكريم عن خلق الإنسان من الماء ، فيقول تعالى : (وَهُوَ الَّذِى خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا). أي إنّ الإنسان الأوّل خلق من ماء ، وأن تكوّن جميع أفراد البشر من ماء النطفة أيضاً ، وأنّ الماء يشكل أهم مادة في بناء جسم الإنسان أيضاً ... الماء الذي يعتبر من أبسط موجودات هذا العالم ، كيف صار مبدأ إيجاد مثل هذا الخلق الجميل؟! وهذا دليل بيّن على قدرته تبارك وتعالى.
بعد ذكر خلق الإنسان ، يورد جلّ ذكره الكلام عن انتشار الأنسان ، فيقول : (فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا).
المقصود من «النسب» هو القرابة التي تكون بين الناس عن طريق الذرية والولد ، مثل إرتباط الأب والابن ، أو الإخوة بعضهم مع بعض ، أمّا المقصود من «صهر» التي هي في