والإستعباد ، ليتحرروا ويأتوا مع موسى وهارون ، وليس المراد هو إرسال بني إسرائيل معهما فحسب.
وهنا يلتفت فرعون فيتكلم بكلمات مدروسة وممزوجة بالخبث والشيطنة لينفي الرسالة ويقول لموسى : (أَلَمْ نُرَبّكَ فِينَا وَلِيدًا ...». إذْ التقطناك من أمواج النيل الهادرة فانقذناك من الهلاك ، وهيّأنا لك مرضعة ، وعفونا عن الحكم الصادر في قتل أبناء بني إسرائيل الذي كنت مشمولاً به ، فتربّيت في محيط هادىء آمن منعّماً ... وبعد أن تربيت في بيتنا عشت زماناً (وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ).
ثم توجه إلى موسى وذكره بموضوع قتل القبطي فقال : (وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِى فَعَلْتَ).
ثم بعد هذا كلّه : (وَأَنتَ مِنَ الْكفِرِينَ).
وعندما سمع موسى كلمات فرعون الممزوجة بالخبث والشيطنة أجاب على إشكالات فرعون الثلاثة ، إلّاأنّه قدّم الإجابة على الإشكال الثاني نظراً لأهميته. (أو أنّه أساساً لم يجد الإشكال الأوّل يستحق الإجابة ، لأنّ تربية الشخص لا تكون دليلاً على عدم جواز هداية مربّيه إن كان المربي ضالاً ، ليسلك سبيل الرشاد) وأجابه موسى عليهالسلام : (قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالّينَ).
إنّ موسى عليهالسلام استخدم التورية في تعبيره جواباً على كلام فرعون ، فقال كلاماً ظاهره أنّه لم يعرف طريق الحق في ذلك الزمان ... لكن الله عرّفه إيّاه بعدئذ ، ووهب له حكماً ـ فجعله من المرسلين ، إلّاأنّه كان يقصد في الباطن أنّه لم يدر أن عمله حينئذ سيؤدّي إلى هذه النتيجة من الجهد والعناء واضطراب البال ـ مع أنّ أصل عمله كان حقاً ومطابقاً لقانون العدالة.
ثم يضيف موسى قائلاً : (فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِى رَبّى حُكْمًا وَجَعَلَنِى مِنَ الْمُرْسَلِينَ).
ثم يردّ موسى عليهالسلام على كلام فرعون الذي يمنّ به عليه في أنّه ربّاه وتعهده منذ طفولته وصباه ، معترضاً عليه بلحن قاطع فيقول : (وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَىَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِى إِسْرَاءِيلَ).
حتى أمرت أن يُقتل الأطفال الذكور وتستحيا النساء للخدمة.
فهذا الظالم المفرط من قبلك ، كان سبباً لأن تضعني امي في الصندوق حفاظاً علي ، وتلقيني في أمواج النيل ، وكانت مشيئة الله أن تسوق الأمواج «زورقي» الصغير حتى توصله إلى قصرك ... أجل إنّ ظلمك الفاحش هو الذي جعلني رهين منّتك وحرمني من بيت أبي الكريم ، وصيرني في قصرك الملوّث ...