فاضطر فرعون إلى الإستجابة لاقتراح موسى عليهالسلام و (قَالَ فَأْتِ بِهِ إِن كُنتَ مِنَ الصدِقِينَ).
(فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِىَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ) «بأمر الله».
ثم أظهر إعجازاً آخر حيث أدخل يده في جيبه (أعلى الثوب) وأخرجها فإذا هي بيضاء منيرة : (وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِىَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ).
إنّ هاتين المعجزتين الكبيرتين ، إحداهما كانت مظهر الخوف ، والاخرى مظهر الأمل ، فالاولى تناسب مقام الإنذار ، والثانية للبشارة.
غير أنّ فرعون اضطرب لهذا المشهد المهول وغرق في وحشة عميقة ولكي يحافظ على قدرته الشيطانية التي أحدق بها الخطر بظهور موسى عليهالسلام ، وكذلك من أجل أن يرفع من معنويات أصحابه والملأ من حوله في توجيه معاجز موسى ولفت نظرهم عنها ، فقد (قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ).
ذلك الإنسان الذي كان يدعوه مجنوناً إلى لحظات آنفة ، وإذا هو الآن يعبر عنه بالعليم.
ومن أجل أن يعبّىء الملأ ويُثير حفيظتهم ضد موسى عليهالسلام ، قال لهم : (يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ).
والغريب في الأمر أنّ فرعون الذي قال هذا الكلام هو الذي كان يقول من قبل : (أَلَيْسَ لِى مُلْكُ مِصْرَ). والآن حيث يرى عرشه متزعزعاً ينسى مالكيته المطلقة لهذه الأرض ، ويعدّها ملك الناس ، فيقول لهم : أرضكم في خطر.
يقول لمن حوله : «ماذا تأمرون؟!» إنّها استشارة عاجزة ومن موقف الضعف فحسب.
وبعد المشاورة فيما بينهم التفت الملأ من قوم فرعون إليه و (قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِى الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ) (١). أي : أمهلهما وابعث رسلك إلى جميع المناطق والأمصار ، (يَأْتُوكَ بِكُلّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ).
وقالوا : لحسن الحظّ إنّ في بلادنا العريضة سحرةً كثيرين ، فلابدّ من جمع السحرة لإحباط سحر موسى عليهالسلام.
__________________
(١) «أرجه» : مشتقة من «الإرجاء» ومعناها التأخير وعدم الإستعجال في القضاء.
«حاشرين» : مأخوذة من مادة «الحشر» ومعناه التعبئة والسوق لميدان الحرب وأمثال ذلك.