الواردة في هذه السورة ، وهي قصة شعيب عليهالسلام وقومه المعاندين.
كان هذا النبي يقطن في «مدين» ، وهي مدينة تقع جنوب الشامات.
تقول الآية الاولى من الآيات محل البحث : (كَذَّبَ أَصْحبُ لَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ).
«أيكة» : على وزن (ليلة) ، قرية أو أرض معمورة على مقربة من مدين.
ثم يتحدث القرآن إجمالاً عن شعيب عليهالسلام وعنهم فيقول : (إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ).
إنّ دعوة شعيب عليهالسلام انطلقت من النقطة التي ابتدأها سائر الأنبياء ، وهي التقوى ومخافة الله التي تعدّ أساس المناهج الإصلاحية والتغييرات الأخلاقية والاجتماعية جمعاء.
ثم أضاف شعيب قائلاً : (إِنّى لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ). فطاعتكم لي طاعة لله.
واعلموا أنّي أبتغي ثوابه ووجهه ، (وَمَا أَسَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِىَ إِلَّا عَلَى رَبّ الْعَالَمِينَ).
و «شعيب» كسائر الأنبياء الذين ورد جانب من تأريخ حياتهم في هذه السورة ، فهو يدعو قومه بعد الدعوة العامّة للتقوى وطاعة الله ، إلى إصلاح انحرافاتهم الأخلاقية والاجتماعية وينتقدهم على هذه الإنحرافات ، وحيث إنّ أهم انحراف عند قومه كان الاضطراب الاقتصادي ، والاستثمار والظلم الفاحش في الأثمان والسلع ، والتطفيف في الكيل ، لذلك فقد اهتم بهذه المسائل أكثر من غيرها ، وقال لهم : (أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ * وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ * وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِى الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ).
«تبخسوا» : مأخوذة من «البخس» وهو في الأصل النقص ظلماً من حقوق الناس ... وقد يأتي أحياناً بمعنى الغش أو التلاعب المنتهي إلى تضييع حقوق الآخرين ... فبناء على ما تقدم ، فإنّ الجملة الآنفة (وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ) لها معنى واسع يشمل جميع أنواع الغش والتزوير والتضليل ، والتلاعب في المعاملات ، وغمط حقوق الآخرين.
وأمّا جملة (وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ) فمعناه واسع أيضاً ، إذ يشمل بالإضافة إلى البخس والتطفيف كل ما من شأنه أن يكون سبباً للخسارة وإيذاء الطرف الآخر في المعاملة.
ثم إنّ «شعيباً» في آخر تعليماته ـ في هذا القسم ـ يدعوهم مرد اخرى إلى تقوى الله فيقول : (وَاتَّقُوا الَّذِى خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ).