إلّاأنّ شعيباً عليهالسلام ، وهو يواجه هذه التعبيرات غير الموزونة والكلمات القبيحة وطلبهم عذاب الله ، كان جوابه الوحيد لهم أن (قَالَ رَبّى أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ).
فإذا لم تنفع المواعظ وتمّت الحجة اللازمة ، فإنّ عذابه لا مرد له.
إنّ عذاب الله أزف موعده ـ وكما يعبر القرآن عنه في الآية التالية قائلاً : (فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ).
«الظلة» : في الأصل معناها القطعة من السحاب المظلّل : أي ذي الظل.
إنّ حرّاً شديداً محرقاً حلّ في أرضهم سبعة أيام ، ولم يهب نسيم بارد مطلقاً ، فإذا قطعة من السحاب تظهر في السماء ـ بعد السبعة أيام ـ وتحرك نسيم عليل فخرجوا من بيوتهم ، واستظلّوا تحت السحاب من شدّة الحرّ.
وفجأة سطعت من بين السحابة صاعقة مميتة بصوتها المذهل ، واحرقتهم بنارها وزلزلت الأرض وهلكوا جميعاً.
وتُختتم القصة هذه بما خُتمت القصص الست السابقة عن أنبياء الله الكرام ، إذ يقول القرآن : إنّ في حكاية أصحاب الايكة ودعوة نبيّهم شعيب وعنادهم وتكذيبهم ، وبالتالي نزول العذاب على هؤلاء المتكبرين درس وعبرة لمن اعتبر (إِنَّ فِى ذلِكَ لَأَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ).
ومع ذلك كلّه فإنّ الله رحيم ودود يمهلهم لعلّهم يرجعون ويصلحون أنفسهم ، فإذا تمادوا في الغي واستوجبوا عذاب الله ، أخذهم أخذ عزيز مقتدر.
أجل ، (وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ).
في ختام قصص هؤلاء الأنبياء السبعة ينبغي أن نلتفت إلى هذه «اللطيفة» وهي أنّ قصص هؤلاء الأنبياء جميعاً جاءت في سور اخر من القرآن أيضاً ، إلّاأنّها لم تعرض بهذا العرض بحيث نجد أنّ بداية دعوتهم منسجمة ، كما أنّ نهاياتها منسجمة أيضاً.
وهذا الإنسجام ـ قبل كل شيء ـ يدل على تجلي مفهوم وحدة دعوات الأنبياء ، بحيث كانوا ذوي منهج واحد وبداية واحدة ونهاية واحدة.
(وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٩٢) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (١٩٣) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (١٩٤) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (١٩٥) وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ (١٩٦) أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ) (١٩٧)